ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا (١). ومناة : صخرة كانت لهذيل وخزاعة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : لثقيف. وقرئ : ومناءة ، وكأنها سميت مناة لأنّ دماء النسائك كانت تمنى عندها ، أى : تراق ، ومناءة مفعلة من النوء ، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها. والأخرى ذمّ ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار ، كقوله تعالى (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) أى وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأوّلية والتقدّم عندهم للات والعزى. كانوا يقولون إنّ الملائكة وهذه الأصنام بنات الله ، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات ، فقيل لهم (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) ويجوز أن يراد : أنّ اللات والعزى ومناة إناث ، وقد جعلتموهنّ لله شركاء ، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم ، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله وتسمونهنّ آلهة (قِسْمَةٌ ضِيزى) جائرة ، من ضازه يضيزه إذا ضامه ، والأصل : ضوزى (٢). ففعل بها ما فعل ببيض ، لتسلم الياء. وقرئ : ضئزى ، من ضأزه بالهمز. وضيز : بفتح الضاد (هِيَ) ضمير الأصنام ، أى ما هي (إِلَّا أَسْماءٌ) ليس تحتها في الحقيقة مسميات ، لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشدّه منافاة لها. ونحوه قوله تعالى (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) أو ضمير الأسماء وهي قولهم ، اللات والعزى ومناة ، وهم يقصدون بهذه الأسماء الآلهة ، يعنى : ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتموها بهواكم وشهوتكم ، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به. ومعنى (سَمَّيْتُمُوها) سميتم بها ، يقال : سميته زيدا ، وسميته بزيد (إِنْ يَتَّبِعُونَ) وقرئ بالتاء (إِلَّا الظَّنَ) إلا توهم أنّ ما هم عليه حق ، وأنّ آلهتهم شفعاؤهم ، وما تشتهيه أنفسهم ، ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أنّ دينهم باطل.
__________________
ـ بالفأس حتى قطعها وقتل الجنية. وكفرانك : نصب بمحذوف وجوبا ، كسبحان ، أى : أكفر كفرانا بك ، لا أنزه تنزيها لك ، فهما مصدران مغنيان عن اللفظ بفعليهما. والاهانة : الا ذلال.
(١) أخرجه ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب الكلبي عن أبى صالح وعن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها. وكانت بنخلة عليها سادن فجاءها خالد فهدمها فذكر نحوه إلى آخره ورواه الواقدي في المغازي والأزرقى في التاريخ من طريقه عن عبد الله بن يزيد الهذلي عن سعيد بن عمرو الهذلي قال «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فذكر القصة وفيها : فبعث خالد ابن الوليد إلى العزى يهدمها فذكر القصة. وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات في السرايا وأصل هذه القصة رواها النسائي وأبو يعلى والطبراني وأبو نعيم في الدلائل من حديث أبى الطفيل قال «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ـ بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ـ وكانت بها العزى فأتاها خالد ، وكانت على ثلاث شجرات فقطع الشجرات».
(٢) قوله «والأصل قوله ضوزى» لعل صوابه «ضيزى» بكسر الضاد. ويؤيده ما قبله وما بعده اه ملخصا من هامش. (ع)