تعبّدتى نمر بن سعد وقد أرى |
|
ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع (١) |
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(١٧)
(قَبْلَهُمْ) قبل أهل مكة (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) يعنى نوحا. فإن قلت : ما معنى قوله تعالى (فَكَذَّبُوا) بعد قوله (كَذَّبَتْ) (٢)؟ قلت : معناه : كذبوا فكذبوا عبدنا أى : كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب ، كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب. أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا ، أى : لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوّة رأسا : كذبوا نوحا ، لأنه من جملة الرسل (مَجْنُونٌ) هو مجنون (وَازْدُجِرَ) وانتهروه بالشتم والضرب والوعيد بالرجم في قولهم (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) وقيل : هو من جملة قيلهم ، أى : قالوا هو مجنون ، وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه وطارت بقلبه. قرئ : أنى ، بمعنى : فدعا بأنى مغلوب. وإنى : على إرادة
__________________
(١) الكلام على حذف حرف الاستفهام الإنكاري ، أى : أيتخذني عبدا هذا الرجل ، وحذف مفعول أرى لدلالة الحال عليه ، وهو قوله : ونمر بن سعد مطيع لي ومهطع ، أى : منتظر أمرى ليمتثله. أو مسرع إلى امتثاله ، وأظهر في مقام الإضمار تعجبا منه واستخفافا بشأنه ، ونمر : بسكون الميم.
(٢) قال محمود : «إن قلت : ما فائدة كذبوا بعد قوله كذبت قبلهم قوم نوح ... الخ؟ قال أحمد : قد تقدم كلامه على قوله تعالى (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي) وأجاب عنه بجوابين ، أحدهما متعذر هاهنا ، والآخر : ممكن وهو أن ذلك كقول القائل : أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وقد مضى لي جوابان ، أحدهما : يمكن إجراؤه هنا ، وحاصله منع ورود السؤال ، لأن الأول مطلق والثاني مقيد ، فليس تكرارا. وهو كقوله في هذه السورة (فَتَعاطى فَعَقَرَ) فان تعاطيه هو نفس عقره ، ولكن ذكره من جهة عمومه ، ثم من ناحية خصوصه إسهابا ، وهو بمثابة ذكره مرتين ، وجواب آخر هنا : وهو أن المكذب أولا محذوف دل عليه ذكر نوح ، فكأنه قال : كذبت قوم نوح نوحا ، ثم جاء بتكذيبهم ثانيا مضافا إلى قوله (عَبْدَنا) فوصف نوحا بخصوص العبودية ، وأضافه إليه إضافة تشريف ، فالتكذيب المخبر عنه ثانيا أبشع عليهم من المذكور أولا لتلك اللمحة ، والله أعلم.