إذا ذابت الشّمس اتّقى صقراتها |
|
بأفنان مربوع الصّريمة معبل (١) |
وعدم صرفها للتعريف والتأنيث (كُلَّ شَيْءٍ) منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر(٢). وقرئ : كل شيء بالرفع. والقدر والقدر : التقدير. وقرئ بهما ، أى : خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة. أو مقدّرا مكتوبا في اللوح. معلوما قبل كونه ، قد علمنا حاله وزمانه (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) إلا كلمة واحدة سريعة التكوين (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أراد قوله كن ، يعنى أنه إذا أراد تكوين شيء لم يلبث كونه.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)(٥٣)
(أَشْياعَكُمْ) أشباهكم في الكفر من الأمم (فِي الزُّبُرِ) في دواوين الحفظة (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الأعمال ومن كل ما هو كائن (مُسْتَطَرٌ) مسطور في اللوح.
__________________
(١) لذي الرمة يصف بقر الوحش ، يقال : ذابت الشمس إذا اشتد حرها حتى يتساقط من شعاعها مثل اللعاب ، وصقر الصخرة بالمصقر : ضربها بالمعول ليكسرها. وصقرته الشمس : إذا ضربته فغيرت لونه. وصقرة الشمس : اشتداد وقعها على الأرض. والأفنان ، جمع فنن وهو مجتمع الورق الملتف المتكاثف في الغصن. والمربوع : الذي أصابه مطر الربيع. والصريمة : الرملة المتصرمة من الرمال. والمعبل : كثير الورق مفتوله. يقول : إذا اشتد حر الشمس توقى شدائده بأغصان شجر سقاه الربيع في هذا الموضع من الرمال. والمعبل : كثير الورق. ومعبل : بدل من مربوع ، كأنه جامد. ويجوز أنه نعت له ، على أن إضافته من إضافة الوصف إلى الظرف ، فلا تفيده التعريف ، فيصح وصفه بالنكرة.
(٢) قال محمود : «منصوب بمضمر يفسره الظاهر» قال أحمد : كان قياس ما مهده النحاة : اختيار رفع (كُلُ) لكن لم يقرأ بها واحد من السبعة ، وإنما كان كذلك ، لأن الكلام مع الرفع جملة واحدة ، ومع النصب جملتان ، فالرفع أخصر ، مع أنه لا مقتضى النصب هاهنا من أحد الأصناف الستة ، أعنى : الأمر ، والنهى ... إلى آخرها ، ولا أجد هنا مناسب عطف ولا غيره مما يعدونه من محال اختيارهم للنصب ، فإذا تبين ذلك فاعلم أنه إنما عدل عن الرفع إجماعا لسر لطيف يعين اختيار النصب : وهو أنه لو رفع لوقعت الجملة التي هي (خَلَقْناهُ) صفة لشيء ، ورفع قوله (بِقَدَرٍ) خيرا عن كل شيء المقيد بالصفة ، ويحصل الكلام على تقدير : إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر ، فأفهم ذلك أن مخلوقا ما يضاف إلى غير الله تعالى ليس بقدر ، وعلى النصب يصير الكلام : إنا خلقنا كل شيء بقدر ، فيفيد عموم نسبة كل مخلوق إلى الله تعالى ، فلما كانت هذه الفائدة لا توازيها الفائدة اللفظية على قراءة الرفع مع ما في الرفع من نقصان المعنى ومع ما في هذه القراءة المستفيضة من مجيء المعنى تاما واضحا كفلق الصبح ، لا جرم أجمعوا على العدول عن الرفع إلى النصب ، لكن الزمخشري لما كان من قاعدة أصحابه تقسيم المخلوقات إلى مخلوق الله ومخلوق لغير الله ، فيقولون : هذا لله بزعمهم ، هذا لنا : فغرت هذه الآية فاه ، وقام إجماع القراء حجة عليه ، فأخذ يستروح إلى الشقاء ، وينقل قراءتها بالرفع ، فليراجع له ويعرض عليه إعراض القراء السبعة عن هذه الرواية ، مع أنها هي الأولى في العربية ، لو لا ما ذكرناه ، أيجوز في حكمه حينئذ الإجماع على خلاف الأولى لفظا ومعنى من غير معنى اقتضى ذلك أم لا؟ وهو المخير فيما يحكم به ، فالى الله ترجع الأمور.