(مِنْهُمَا) وإنما يخرجان من الملح (١)؟ قلت : لما التقيا وصارا كالشىء الواحد : جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه. وتقول : خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله ، بل من دار واحدة من دوره. وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب.
(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢٥)
(الْجَوارِ) السفن. وقرئ : الجوار بحذف الياء ورفع الراء ، ونحوه :
لها ثنايا أربع حسان |
|
وأربع فكلها ثمان (٢) |
و (الْمُنْشَآتُ) المرفوعات الشرع (٣). وقرئ بكسر الشين : وهي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهنّ. والأعلام : جمع علم ، وهو الجبل الطويل.
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢٨)
(عَلَيْها) على الأرض (وَجْهُ رَبِّكَ) ذاته ، والوجه يعبر به عن الجملة والذات (٤) ، ومساكين مكة يقولون : أين وجه عربى كريم ينقذني من الهوان. و (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) صفة الوجه. وقرأ عبد الله : ذى ، على : صفة ربك. ومعناه : الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم (٥).
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت لم قال منهما وإنما يخرجان من الملح ... الخ» قال أحمد : هذا القول الثاني مردود بالمشاهدة ، والصواب هو الأول ، ومثله (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وإنما أريد إحدى القريتين ، هذا هو الصحيح الظاهر ، وكما تقول : فلان من أهل ديار مصر ، وإنما بلده محلة واحدة منها.
(٢) الثنايا : مقدم الأسنان ، وظاهر البيت أنها أربع من فوق وأربع من تحت ، فكل ثناياها ثمان. وروى : فثغرها ثمان ، وهذه الرواية تناسب ما اشتهر من أن الثنايا اثنان من فوق واثنان من تحت فهي أربع ، ويليها مثلها رباعيات ، ويليها مثلها أنياب ، ويليها مثلها ضواحك ، وما بقي أضراس. ثم نواجذ. وعامل المنقوص معاملة الصحيح ، فرفع ثمان خبرا للمبتدإ ، وصارت الياء المحذوفة نسيا منسيا.
(٣) قوله «والمنشآت المرفوعات الشرع» في الصحاح «الشراع» : شراع السفينة اه ، فالشرع جمعه ، ككتاب وكتب. (ع)
(٤) قال محمود : «الوجه يعبر به عن الذات ومساكين مكة يقولون ... الخ» قال أحمد : المعتزلة ينكرون الصفات الالهية التي دل عليها العقل ، فكيف بالصفات السمعية ، على أن من الأشعرية من حمل الوجه واليدين والعينين على نحو ما ذكر ، ولم ير بيانها صفات سمعية.
(٥) قوله «عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم» إجلاله عن أفعال الخلق مبنى على مذهب المعتزلة : أنه لا يخلق أفعال العباد. ومذهب أهل السنة : أنه هو الخالق لها. (ع)