فما كذب نفسه فيما حدثته به. من إطاقته له وإقدامه عليه. قال زهير :
................. إذا |
|
ما اللّيث كذّب عن أقرانه صدقا (١) |
أى : إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) على : هي خافضة رافعة ، ترفع أقواما وتضع آخرين : إما وصفا لها بالشدّة ، لأنّ الواقعات العظام كذلك : يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس ، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات ، والسعداء يرفعون إلى الدرجات ، وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها ، فتخفض بعضا وترفع بعضا : حيث تسقط السماء كسفا وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب ، وقرئ : خافضة رافعة بالنصب على الحال (رُجَّتِ) حرّكت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء (وَبُسَّتِ الْجِبالُ) وفتت (٢) حتى تعود كالسويق ، أو سيقت من بس العنم إذا ساقها ، كقوله (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) ، (مُنْبَثًّا) متفرقا. وقرئ بالتاء أى : منقطعا. وقرئ : رجت وبست ، أى : ارتجت وذهبت. وفي كلام بنت الخس (٣) : عينها هاج ، وصلاها راج. وهي تمشى وتفاج. فإن قلت : بم انتصب إذا رجت؟ قلت : هو بدل من إذا وقعت. ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة. أى : تخفض وترفع وقت رج الأرض ، وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض (أَزْواجاً) أصنافا ، يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض : أزواج.
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (٩)
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) الذين يؤتونها بشمائلهم. أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية ، من قولك : فلان منى باليمين ، فلان منى بالشمال : إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة ، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل ،
__________________
(١) ليث يعثر يصطاد الرجال إذا |
|
ما الليث كذب عن أقرانه صدقا |
لزهير يمدح شجاعا ، فاستعار له اسم الأسد على طريق التصريحية ، والاصطياد ترشيح. وعثر : اسم موضع ، أى شجاع في عثر يقتل الرجال إذا كذب أى جبن وضعف الفارس الشديد عن أقرانه في الحرب ، صدق هو ونفذ عزمه وقتل قرنه ، وفي البيت الطباق بين الصدق والكذب ، وهو من بديع الكلام.
(٢) قوله «وفتت حتى تعود كالسويق» عبارة النسفي : وفتتت. (ع)
(٣) قوله «وفي كلام بنت الخس» في الصحاح : الخس بالفتح : بقلة. والخس بالضم : اسم رجل. ومنه : هند بنت الخس. وعين هاجة : أى غائرة. والصلا : ما عن يمين الذنب ويساره. وفججت ما بين رجلي أفجهما : إذا فتحت. يقال : هو يمشى مفاجا. (ع)