(لِئَلَّا يَعْلَمَ) ليعلم (أَهْلُ الْكِتابِ) الذين لم يسلموا ، ولا مزيدة (أَلَّا يَقْدِرُونَ) أن مخففة من الثقيلة ، أصله : أنه لا يقدرون ، يعنى : أنّ الشأن لا يقدرون (عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أى : لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين : والنور والمغفرة ، لأنهم لم يؤمنوا برسول الله ، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ، ولم يكسبهم فضلا قط. وإن كان خطابا لغيرهم ، فالمعنى : اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) ولا ينقصكم من مثل أجرهم ، لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جعفرا رضى الله عنه في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه ، فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له ، فقال ناس ممن آمن من أهل مملكته وهم أربعون رجلا. ائذن لنا في الوفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد ، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة : استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجعوا وقدموا بأموال لهم فآسوا بها المسلمين (١) ، فأنزل الله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ...) إلى قوله ... (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله (يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) فخروا على المسلمين وقالوا : أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين ، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم ، فما فضلكم علينا؟ فنزلت. وروى أنّ مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرّتين ، وادعوا الفضل عليهم ، فنزلت. وقرئ لكي يعلم. ولكيلا يعلم. وليعلم. ولأن يعلم : بإدغام النون في الياء. ولين يعلم : بقلب الهمزة ياء وإدغام النون في الياء. وعن الحسن : ليلا يعلم ، بفتح اللام وسكون الياء. ورواه قطرب بكسر اللام. وقيل في وجهها : حذفت همزة أن ، وأدغمت نونها في لام لا ، فصار «للا» ثم أبدلت من اللام المدغمة ياء ، كقولهم : ديوان ، وقيراط. ومن فتح اللام فعلى أن أصل لام الجرّ الفتح ، كما أنشد :
أريد لأنسى ذكرها. (٢) ..
__________________
(١) المعروف أن جعفر إنما قدم بعد أحد بزمان ، قدم عند فتح خيبر.
(٢) أريد لأنسى ذكرها فكأنما |
|
تمثل لي ليلى بكل سبيل |
لقبس بن الملوح مجنون ليلى العامرية. وقيل : لكثير صاحب عزة ، وكنى عنها بليلى تسترا. وقيل : سرقه كثير من شعر جميل صاحب بثنية. وقوله : لأنسى بفتح لام الجر على الأصل في الحروف المفردة ، وتلك : لغة عكل ، ويتعين فيها إذا دخلت على فعل منصوب بأن مضمرة كما هنا. وتروى بالكسر على اللغة المشهورة ، أى : أريد لنسيان تذكرها ، واللام زائدة ، لكنها هي التي أشعرت بحذف «إن» ، وتمثل : أصله تتمثل ، أى تتشكل وتتخيل أمامى ليلى بكل طريق ، إما الحسى وإما طريق الذكر ، والأول أوجه ، بدليل قوله «كأنما» وتمثلها له يوجب تذكرها. وما زائدة بعد كان ، كافة لها عن العمل فلذلك دخلت على الفعل.