لما أرضعن دخلن بالرضاع في حكم الأمهات ، وكذلك أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، لأن الله حرّم نكاحهن على الأمة فدخلن بذلك في حكم الأمهات. وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة لأنهنّ لسن بأمّهات على الحقيقة. ولا بداخلات في حكم الأمهات ، فكان قول المظاهر : منكرا من القول تنكره الحقيقة وتنكره الأحكام الشرعية وزورا وكذبا باطلا منحرفا عن الحق (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) لما سلف منه إذا تيب عنه ولم يعد إليه ، ثم قال : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) يعنى : والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول (١) المنكر فقطعوه بالإسلام ، ثم يعودون لمثله ، فكفارة من عاد أن يحرّر رقبة ثم يماس المظاهر منها لا تحل له مماستها إلا بعد تقديم الكفارة. ووجه آخر : ثم يعودون لما قالوا : ثم يتداركون ما قالوا (٢) ، لأنّ المتدارك للأمر عائد إليه. ومنه المثل : عاد غيث على ما أفسد ، أى : تداركه بالإصلاح. والمعنى : أن تدارك هذا القول وتلافيه بأن يكفر حتى ترجع حالهما كما كانت قبل الظهار. ووجه ثالث : وهو أن يراد بما قالوا : ما حرّموه (٣)
__________________
(١) قال محمود : «يعنى والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول ... الخ» قال أحمد : وهذا الوجه يلزم الكفارة لمجرد قول الظهار في الإسلام لا غير ، والقول بوجوبها بمجرد الظهار : قول مجاهد من التابعين وسفيان من الفقهاء.
(٢) قال محمود : «ووجه ثان ثم يعودون لما قالوا ثم يتداركون ما قالوا ... الخ» قال أحمد : وهذا التفسير منزل على أن وجوب الكفارة مشروط بالعود بعد الظهار وهو القول المشهور لفقهاء الأمصار ولا يخص هذا التفسير وجها من وجوه العود التي ذكرها العلماء.
(٣) قال محمود : «ووجه ثالث : وهو أن يكون المراد بما قالوه ... الخ» قال أحمد : وهذا التفسير يقوى القول بأن العود الوطء. نفسه ، لأن حاصله : ثم يعودون للوطء ، وظاهر قولك : عاد الوطء. فعله ، وحمل العود على الوطء : من جملة أقوال مالك رحمه الله ، فقد تلخص أن كلام المختلفين في العود له مآخذ من هذه الآية ، فأما من لم يقف وجوب الكفارة عنده إلا على مجرد الظهار ، فحمل العود على الظهار ، وتسميته عودا والحالة هذه باعتبار أنه كان في الجاهلية وانقطع في الإسلام ، فايقاعه بعد الإسلام عود إليه. وأما من أوقفها على العود وجعل العود أن يعيد لفظ الظهار وهو قول داود فاعتبر ظاهر اللفظ ، وأما من حمل العود على العزم على الوطء فرأى أن العود إلى القول الأول عود بالتدارك لا بالتكرار ، وتدارك بعضه ببعضه ، وهل نقيضه العزم على الوطء لأن الأول امتناع منه أو العزم على الإمساك ، لأن العصمة تقتضي الحل وعدم الامتناع ، فيكفى محل خلاف. وأما من حمله على الوطء نفسه فرأى أن المراد بالقول المقول فيه ، ويحمل قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أى مرة ثانية. وقد اختلف العلماء أيضا فيما إذا قدم الوطء على الكفارة ، فالمذهب المشهور للعلماء أن ذلك لا يسقط الكفارة ولا يوجب أخرى.
وذهب مجاهد إلى إيجاب أخرى به ، وذهبت طائفة إلى إسقاط الكفارة به أصلا ورأسا ، وكأن منشأ خلافهم النظر إلى قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فرآه أكثر العلماء منعا من الوطء قبل التكفير ، حتى كأنه قال : لا تماس حتى تكفر ، ورأته الطائفة المسقطة للكفارة بالوطء شرطا في الوجوب ، فلا جرم إذا مسها ، فقد فقد الشرط الذي هو عدم التماس فسقط الوجوب. ورآه مجاهد في إيجاب الكفارة ، فإذا تماسا قبل الكفارة تعددت ، ثم فيه نظر آخر : وهو أنه ذكر عدم التماس في كفارتى العتق والصوم ، وأسقطه في كفارة الإطعام ، فتلقى أبو حنيفة بذلك الفرق بين الإطعام وبين الأخريين ، حتى أنه لو وطئ في حال الإطعام لم يجب عليه استئناف كفارة ، بخلاف