على أنفسهم بلفظ الظهار ، تنزيلا للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكرنا في قوله تعالى (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) ويكون المعنى : ثم يريدون العود للتماس. والمماسة : الاستمتاع بها من جماع ، أو لمس بشهوة ، أو نظر إلى فرجها لشهوة (١) (ذلِكُمْ) الحكم (تُوعَظُونَ بِهِ) لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية ، فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه. فإن قلت : هل يصح الظهار بغير هذا اللفظ؟ قلت : نعم إذا وضع مكان أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة كالرأس والوجه والرقبة والفرج ، أو مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ. ومكان الأمّ ذات رحم محرم منه من نسب أو رضاع أو صهر أو جماع ، نحو أن يقول : أنت علىّ كظهر أختى من الرضاع
__________________
ـ الأخريين فان الوطء في خلال كل واحدة منهما يوجب إبطالها واستئناف أخرى ، على أن أبا حنيفة سوى بين الثلاث في تحريم المساس قبل حصولها كاملة ، كذا نقل الزمخشري عنه. ولقائل أن يقول على أبى حنيفة : إذا جعلت الفائدة في ذكر عدم التماس في بعضها وإسقاطه من بعضها الفرق بين أنواعها ، فلم صرفت الفرق إلى أحد الحكمين وهو إيجاب الاستئناف بالوطء في خلال الكفارة في بعضها دون البعض دون الحكم الآخر وهو تحريم التماس قبل الشروع في الكفارة ، فما تخصيص أحد الحكمين دون الآخر إلا نوع من التحكم. وله أن يقول : اتفقنا على التسوية فيه فتعين صرفه إلى الآخر هذا منتهى النظر مع أبى حنيفة ، ورأى القائلون بأن الطعام يبطل بتخلل الوطء في أثنائه كالصيام : أن فائدة ذكره عدم المماسة ، ثم إسقاطه للتنبيه على التسوية بين التكفير قبل وبعد. وتقريره : أن ذكره مع الاثنين كذكره مع الثالث ، وإطلاق الثالث كاطلاق الاثنين ، فكأنه قال في الجميع : من قبل أن يتماسا ومن بعد. وانطوى إيراد الآية على هذا الوجه على إبطال قول من قال : إن الأمر يختلف بين ما قبل التماس وما بعده فيجب قبل ويسقط بعد ، وعلى قول من قال : يجب قبل كفارة وبعد كفارتان ، وهاهنا نظر آخر : في أنه لم ذكر عدم التماس مع نوعين منها ، وقد كان ذكره مع واحد منها مفيدا لهذه الفائدة على التقرير المذكور. والجواب عنه : أن ذكره مع العتق مقتصر على إفادة تحريم الوطء قبل العتق ، ولا يتصور في العتق الوطء في أثنائه ، إذ لا يتبعض ولا يتفرق ، فاحتيج إلى ذكره مع الصيام الواقع على التوالي ليفيد تحريم الوطء قبل الشروع قيه وبعد الشروع إلى التمام ، إذ لو لم يذكره هنا لتوهم أن الوطء إنما يحرم قبل الشروع خاصة لا بعد ، لأنها هي الحالة التي دل عليها التقييد في العتق ، فلما ذكره مع الصيام الواقع متواليا : استغنى عن ذكره مع الطعام لأنه مثله في التعدد والتوالي وإمكان الوطء في خلاله ، وهذا التقرير منزل على أن العتق لا يتجزأ ولا يتبعض ، وهذا هو المرضى. وقد نفل العيني عن ابن القاسم أن من أعتق شقصا من عبد يملك جميعه ثم أعتق بقيته عن الظهار : أن ذلك يجزيه ، وهو خلاف أصله في المدونة ، وعابه عليه أصبغ وسحنون وابنه. «تنبيه» إن قال قائل بارتفاع التحريم بالكفارة لا يخلو ، إما أن يكون مشروطا فيلزم أن لا يرتفع التحريم بالكفارة التي تقدم على الشروع فيها مساس ، وإن لم يكن مشروطا لزم ارتفاع التحريم بالكفارة التي تخللها المساس ، وكلاهما غير مقول به عندكم ، فالجواب : أن المساس مناف لصحة الكفارة واعتبارها في رفع التحريم ، فإن وقع قبل الشروع في الكفارة تعذر الحكم ببطلان الكفارة ، لأن المحل لم يوجد ، وتعذر ذلك لا يبطل الحكم ككونه منافيا : أما إن وقع في أثنائها : فالمحل المحكوم فيه بعدم الصحة قائم ، فوجب إعمال المنافى ، وهذا كالحدث مناف لصحة الصلاة ، فان وقع في أثنائها أثر في إبطالها ، والله تعالى الموفق للصواب.
(١) قوله «أو نظر إلى فرجها لشهوة» عبارة التسفى بشهوة. (ع)