أبى الحقيق وآل حيي بن أخطب ، فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة. اللام في (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) تتعلق بأخرج ، وهي اللام في قوله تعالى (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (١) وقولك : جئته لوقت كذا. والمعنى : أخرج الذين كفروا عند أوّل الحشر. ومعنى أوّل الحشر : أن هذا أوّل حشرهم إلى الشأم ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط ، وهم أوّل من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام. أو هذا أوّل حشرهم ، وآخر حشرهم : إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام. وقيل : آخر حشرهم حشر يوم القيامة ، لأنّ المحشر يكون بالشام. وعن عكرمة : من شك أنّ المحشر هاهنا ـ يعنى الشام ـ فليقرأ هذه الآية. وقيل : معناه أخرجهم من ديارهم لأوّل ما حشر لقتالهم ؛ لأنه أوّل قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) لشدة بأسهم ومنعتهم ، ووثاقة حصونهم ، وكثرة عددهم وعدتهم ، وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله (فَأَتاهُمُ) أمر الله (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم : وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرّة على يد أخيه ، وذلك مما أضعف قوتهم وفل من شوكتهم ، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب ، وألهمهم أن يوافقوا المؤمنين في تخريب بيوتهم ويعينوا على أنفسهم ، وثبط المنافقين الذين كانوا يتولونهم عن مظاهرتهم. وهذا كله لم يكن في حسبانهم. ومنه أتاهم الهلاك. فإن قلت : أى فرق بين قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم ، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت : في تقديم الخبر على المبتدإ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسما لأن وإسناد الجملة إليه : دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم (٢) ، وليس ذلك في قولك : وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم. وقرئ : فمآتاهم الله ، أى : فمآتاهم الهلاك. والرعب : الخوف الذي يرعب الصدر ، أى يملؤه ، وقذفه : إثباته وركزه. ومنه قالوا في صفة الأسد : مقذف ، كأنما قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل أجزائه. وقرئ : يخرّبون ويخربون ، مثقلا ومخففا. والتخريب والإخراب : الإفساد بالنقض والهدم. والخرية : الفساد ، كانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها : لما أراد الله من استئصال شأفتهم (٣) وأن لا يبقى لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار ، والذي دعاهم إلى التخريب : حاجتهم إلى الخشب والحجارة
__________________
(١) قال محمود : «اللام في قوله (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) كاللام في قوله (قَدَّمْتُ لِحَياتِي) قال أحمد : كأنه يريد أنها اللام التي تصحب التاريخ ، كقوله : كتبت لعام كذا ولشهر كذا.
(٢) قوله «أو يطمع في معازتهم» أى مغالبتهم ، كما في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «من استئصال شأفتهم» في الصحاح «الشأفة» : قرحة تخرج من أسفل القدم فتكوى فتذهب ، يقال في المثل : استأصل الله شأفته ، أى : أذهبه الله كما أذهب تلك القرحة بالكي اه. (ع)