(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ)(٩٣)
(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) فذهب إليها في خفية ، من روغة الثعلب ، إلى آلهتهم : إلى أصنامهم التي هي في زعمهم آلهة ، كقوله تعالى : أين شركائى؟ (أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) استهزاء بها وبانحطاطها عن حال عبدتها (فَراغَ عَلَيْهِمْ) فأقبل عليهم مستخفيا ، كأنه قال : فضربهم (ضَرْباً) لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم. أو فراغ عليهم يضربهم ضربا. أو فراغ عليهم ضربا بمعنى ضاربا. وقرئ : صفقا وسفقا ، ومعناهما : الضرب. ومعنى ضربا (بِالْيَمِينِ) ضربا شديدا قويا ، لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدّهما. وقيل : بالقوّة والمتانة: وقيل : بسبب الحلف ، وهو قوله (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).
(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ)(٩٤)
(يَزِفُّونَ) يسرعون ، من زفيف النعام. ويزفون : من أزفّ ، إذا دخل في الزفيف. أو من أزفه ، إذا حمله على الزفيف ، أى : يزفّ بعضهم بعضا. ويزفون ، على البناء للمفعول ، أى : يحملون على الزفيف. ويزفون ، من وزف يزف إذا أسرع. ويزفون : من زفاه إذا حداه (١) ، كأن بعضهم يزفوا بعضا لتسارعهم إليه ، فإن قلت : بين هذا وبين قوله تعالى (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ، قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) كالتناقض حيث ذكر هاهنا أنهم أدبروا عنه خيفة العدوى ، فلما أبصروه يكسرهم أقبلوا إليه متبادرين ليكفوه ويوقعوا به ، وذكر ثم أنهم سألوا عن الكاسر ، حتى قيل لهم : سمعنا إبراهيم يذمهم ، فلعله هو الكاسر ، ففي أحدهما أنهم شاهدوه يكسرها ، وفي الآخر : أنهم استدلوا بذمه على أنه الكاسر. قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون الذين أبصروه وزفوا إليه نفرا منهم دون جمهورهم وكبرائهم ، فلما رجع الجمهور والعلية (٢) من عيدهم إلى بيت الأصنام ليأكلوا الطعام الذي وضعوه عندها لتبرك عليه ورأوها مكسورة اشمأزوا من ذلك ، وسألوا : من فعل هذا بها؟ ثم لم ينم عليه أولئك النفر نميمة صريحة ، ولكن على سبيل التورية والتعريض بقولهم «سمعنا فتى يذكرهم» لبعض الصوارف. والثاني : أن يكسرها ويذهب ولا يشعر بذلك أحد ، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم وسؤالهم عن الكاسر. وقولهم : قالوا فأتوا به على أعين الناس.
__________________
(١) قوله «إذا حداه» أى ساقه. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قوله «والعلية» أى العظماء. (ع)