أتاكم من أهل مكة ردّ إليهم ، ومن أتى منكم مكة لم يردّ إليكم ، وكتبوا بذلك كتابا وختموه ، فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر المخزومي. وقيل صيفي بن الراهب فقال : يا محمد ، اردد علىّ امرأتى فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف ، فنزلت بيانا لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء (١). وعن الضحاك : كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد : أن لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا ، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن تردّ على زوجها الذي أنفق عليها ، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك. وعن قتادة : ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد براءة ، فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت ، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوّجها عمر. فإن قلت : كيف سمى الظنّ علما في قوله (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ)؟ قلت : إيذانا بأن الظن الغالب وما يفضى إليه الاجتهاد والقياس جار مجرى العلم ، وأن صاحبه غير داخل في قوله (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فإن قلت : فما فائدة قوله (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) وذلك معلوم لا شبهة فيه؟ قلت : فائدته بيان أن لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج به الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن ، فإنّ ذلك مما استأثر به علام الغيوب ، وأن ما يؤدى إليه الامتحان من العلم كاف في ذلك ، وأن تكليفكم لا يعدوه ، ثم نفى عنهم الجناح في تزوّج هؤلاء المهاجرات إذا آتوهنّ أجورهنّ أى مهورهنّ ، لأن المهر أجر البضع ، ولا يخلو إما أن يراد بها ما كان يدفع إليهنّ ليدفعنه إلى أزواجهنّ فيشترط في إباحة تزوجهنّ تقديم أدائه ، وإما أن يراد أن ذلك إذا دفع إليهنّ على سبيل القرض ثم تزوجن على ذلك لم يكن به بأس ، وإما أن يبين لهم أن ما أعطى أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر وأنه لا بد من إصداق ، وبه احتج أبو حنيفة على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة وبقي الآخر حربيا : وقعت الفرقة ، ولا يرى العدة على المهاجرة ويبيح نكاحها إلا أن تكون حاملا (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) والعصمة ما يعتصم به من عقد وسبب ، يعنى : إياكم وإياهنّ ، ولا تكن بينكم وبينهنّ عصمة ولا علقة زوجية. قال ابن عباس : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدنّ بها من نسائه ، لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه. وعن النخعي : هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. وعن مجاهد : أمرهم بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) من مهور نسائهم المهاجرات. وقرئ : ولا تمسكوا بالتخفيف. ولا تمسكوا بالتثقيل. ولا تمسكوا ، أى : ولا تتمسكوا (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) يعنى جميع ما ذكر في هذه الآية (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) كلام مستأنف. أو حال من حكم الله على
__________________
(١) هكذا ذكره البغوي عن ابن عباس بغير سند.