بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(٣)
خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب (١) ، لأنّ النبي إمام أمّته وقدوتهم ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت ، إظهارا لتقدّمه واعتبارا لترؤسه ، وأنه مدرة قومه (٢) ولسانهم ، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدّون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وسادّا مسدّ جميعهم. ومعنى (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) إذا أردتم تطليقهنّ وهممتم به على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه : كقوله عليه السلام «من قتل قتيلا فله سلبه» (٣) ومنه كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فطلقوهن مستقبلات لعدتهن (٤) ، كقولك : أتيته لليلة بقيت من المحرم ، أى : مستقبلا لها. وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قبل عدّتهنّ ، وإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم للقرء الأوّل من أقرائها ، فقد طلقت مستقبلة لعدتها. والمراد : أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه (٥) ، ثم يخلين حتى تنقضي عدّتهنّ ، وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده
__________________
(١) قال محمود : «خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب ... الخ» قال أحمد : وعلى هذا الفرق جرى قوله تعالى حكاية عن فرعون : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) فأفرد موسى عليه السلام بالنداء ، لأنه كان أجل الاثنين عليهما السلام وعمهما بالخطاب. وقد تقدم فيه وجه آخر.
(٢) قوله «وأنه مدرة قومه» في الصحاح العرب تسمى القرية مدرة اه ، فالمعنى أنه بمنزلة القرية لقومه. (ع)
(٣) متفق عليه. وقد تقدم في أوائل البقرة.
(٤) قال محمود : «ومعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن ... الخ» قال أحمد : حمل القراءتين المستفيضة والشاذة على أن وقت الطلاق هو الوقت الذي تكون العدة مستقبلة بالنسبة إليه ، وادعى أن ذلك معنى المستقبل فيها ، ونظر اللام فيها باللام في قولك مؤرخا الليلة. الليلة بقيت من المحرم ، وإنما يعنى أن العدة بالحيض : كل ذلك تحامل لمذهب أبى حنيفة في أن الأقراء الحيض ، ولا يتم له ذلك ، فقد استدل أصحابنا بالقراءة المستفيضة ، وأكدوا الدلالة بالشاذة على أن الأقراء الأطهار. ووجه الاستدلال لها على ذلك : أن الله تعالى جعلى العدة ـ وإن كانت في الأصل مصدرا ـ ظرفا الطلاق المأمور به. وكثيرا ما تستعمل العرب المصادر ظرفا ، مثل خفوق النجم ومقدم الحاج. وإذا كانت العدة ظرفا للطلاق المأمور به ، وزمانه هو الطهر وفاقا ، فالطهر عدة إذا. ونظير اللام هنا على التحقيق : اللام في قوله (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) وإنما تمنى أن لو عمل عملا في حياته ، وقراءته عليه السلام : في قبل عدتهن ، تحقق ذلك. فان قيل. الشيء جزء منه وداخل فيه وفي صفة مسح الرأس فأقبل بهما وأدبر ، أى مسح قبل الرأس وهو مقدمها ، فحينئذ قبل العدة جزء منها وهو الطهر.
(٥) قال محمود : «والمراد أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه ... الخ» قال أحمد : الأمر كما نقله ، وضابط