لا ينتضح عليها شيء من دمى فينقص أجرى وتراه أمى فتحزن ، واشحذ شفرتك وأسرع إمرارها على حلقى حتى تجهز علىّ ، ليكون أهون فإنّ الموت شديد ، واقرأ على أمى سلامى ، وإن رأيت أن تردّ قميصي على أمى فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسهل لها ، فقال إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بنىّ على أمر الله ، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه ، وهما يبكيان ، ثم وضع السكين على حلقه فلم تعمل. لأنّ الله ضرب صفيحة من نحاس على حلقه ، فقال له : كبني على وجهى فإنك إذا نظرت وجهى رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله ، ففعل ، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ، ونودي : يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، فنظر فإذا جبريل عليه السلام معه كبش أقرن أملح ، فكبر جبريل والكبش ، وإبراهيم وابنه ، وأتى المنحر من منى فذبحه : وقيل : لما وصل موضع السجود منه إلى الأرض جاء الفرج. وقد استشهد أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده : أنه يلزمه ذبح شاة ، فإن قلت : من كان الذبيح من ولديه؟ قلت : قد اختلف فيه ، فعن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وجماعة من النابعين : أنه إسماعيل. والحجة فيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أنا ابن الذبيحين» وقال له أعرابى : يا ابن الذبيحين ، فتبسم ، فسئل عن ذلك فقال : إنّ عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر لله : لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده ، فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا له أفد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل» (١) وعن محمد بن كعب القرظي قال : كان مجتهد بنى إسرائيل يقول إذا دعا : اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل ، فقال موسى عليه السلام : يا رب ، ما لمجتهد بنى إسرائيل إذا دعا قال : اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل ، وأنا بين أظهرهم فقد أسمعتنى كلامك واصطفيتني برسالتك؟ قال : يا موسى ، لم يحبني أحد حب إبراهيم قط ، ولا خير بيني وبين شيء قط إلا اختارني. وأمّا إسماعيل فإنه جاد بدم نفسه. وأمّا إسرائيل ، فإنه لم ييأس من روحي في شدّة نزلت به قط ، ويدل عليه أنّ الله تعالى لما أتم قصة الذبيح قال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا) وعن محمد بن كعب أنه قال لعمر بن عبد العزيز : هو إسماعيل ، فقال عمر : إنّ هذا شيء ما كنت أنظر فيه ، وإنى لأراه كما قلت ، ثم أرسل إلى يهودى قد أسلم فسأله ، فقال : إن اليهود لتعلم أنه إسماعيل ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، ويدل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدى بنى إسماعيل إلى أن احترق البيت. وعن الأصمعى قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعى أين عزب عنك عقلك ، ومتى كان إسحاق بمكة ، وإنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكة.
__________________
(١) أخرجه الحاكم والثعلبي من رواية الصنابحى عن معاوية رضى الله عنه وفيه قصة.