الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد : ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات ، كما قال (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) وقرئ لينفق بالنصب ، أى شرعنا ذلك لينفق. وقرأ ابن أبى عبلة : قدر (سَيَجْعَلُ اللهُ) موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم ، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(١١)
(عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) أعرضت عنه على وجه العتوّ والعناد (حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والمناقشة (عَذاباً نُكْراً) وقرئ : نكرا منكرا عظيما ، والمراد : حساب الآخرة وعذابها ما يذوقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر ، وجيء به على لفظ الماضي ، كقوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) ونحو ذلك ، لأنّ المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة ، وما هو كائن فكان قد. وقوله (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقبا» كأنه قال : أعد الله لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك (يا أُولِي الْأَلْبابِ) من المؤمنين لطفا في تقوى الله وحذر عقابه. ويجوز أن يراد إحصاء السيئات ، واستقصاؤها عليهم في الدنيا ، وإثباتها في صحائف الحفظة ، وما أصيبوا به من العذاب في العاجل ، وأن يكون (عَتَتْ) وما عطف عليه : صفة للقرية. وأعد الله لهم : جوابا لكأين (رَسُولاً) هو جبريل صلوات الله عليه : أبدل من ذكرا ، لأنه وصف بتلاوة آيات الله ، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر (١) فصح إبداله منه. أو أريد بالذكر : الشرف ، من قوله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) فأبدل
__________________
(١) قوله تعالى (رَسُولاً) ذكر الزمخشري فيه ستة أوجه : إبدال الرسول عن الذكر لأن إنزاله في معنى إنزال الذكر ... الخ قال أحمد : وعلى هذين الوجهين الأخيرين يكون مفعولا ، إما بالفعل المحذوف أو بالمصدر. وعلى الأربعة المتقدمة بدلا. والله سبحانه وتعالى أعلم.