استئناف ، وكان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله لأن الله عزّ وجل إنما أحلّ ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله ، فإذا حرّم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة (وَاللهُ غَفُورٌ) قد غفر لك ما زللت فيه (رَحِيمٌ) قد رحمك فلم يؤاخذك به (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) فيه معنيان ، أحدهما : قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم ، من قولك : حلل فلان في يمينه ، إذا استثنى فيها. ومنه : حلا أبيت اللعن (١) ، بمعنى : استثن في يمينك إذا أطلقها ، وذلك أن يقول «إن شاء الله» عقيبها ، حتى لا يحنث. والثاني : قد شرع الله لكم تحلتها بالكفارة. ومنه قوله عليه السلام : «لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم» (٢) وقول ذى الرمّة :
قليلا كتحليل الألىّ (٣)
فإن قلت : ما حكم تحريم الحلال؟ قلت : قد اختلف فيه ، فأبو حنيفة براه يمينا في كل شيء ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه ، فإذا حرّم طعاما فقد حلف على أكله ، أو أمة فعلى وطئها ، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية ، وإن نوى الظهار فظهار ، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن «وكذلك إن نوى ثنتين وإن نوى ثلاثا فكما نوى ، وإن قال : نويت الكذب ديّن فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء. وإن قال : كل حلال علىّ حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو ، وإلا فعلى ما نوى ، ولا يراه الشافعي يمينا. ولكن سببا في الكفارة في النساء وحدهنّ ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده. وعن أبى بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وزيد رضى الله عنهم : أنّ الحرام يمين (٤) وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعى. وعن على رضى الله عنه : ثلاث (٥). وعن زيد : واحدة بائنة. وعن عثمان : ظهار.
__________________
(١) قوله «ومنه : حلا أبيت اللعن» في الصحاح : يقال حلا ، أى استثنى. ويا حالف اذكر حلا ، وهو بالكسر أفاده الصحاح أيضا. (ع)
(٢) أخرجه مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبى هريرة رضى الله عنه.
(٣) قوله «كتحليل الألى» في الصحاح «الالية» : اليمين على فعلية ، وكذلك الألوة والألوة ، فأما الألوة بالتشديد : فهو العود الذي يتبخر به اه ، فالألى في كلام ذى الرمة جمع الألوة بالتخفيف «كالمدية والمدى ، والخطوة والخطى. (ع)
(٤) حديث أبى بكر رضى الله عنه أخرجه ابن أبى شيبة من رواية جويبر عن الضحاك : أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا : من قال لامرأته : هي على حرام ، فليست بحرام وعليه كفارة يمين. وإسناده ضعيف ومنقطع. وحديث عمر رضى الله عنه مثله ، وله طريق أخرى أخرجها ابن أبى شيبة أيضا من رواية خالد الحذاء عن عكرمة عنه قال «الحرام يمين» وهذا منقطع وحديث ابن عباس رضى الله عنهما مثله متفق عليه من رواية ابن جبير عنه قال : الحرام يمين يكفرها. وفي رواية لمسلم «إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها». وحديث ابن مسعود مثله ، وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق من طريق الطبراني عن ابن عقبة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عنه ، قال : في الحرام يمين يكفرها. ورجاله ثقات مع انقطاعه. وحديث زيد بن ثابت رضى الله عنه مثله.
(٥) أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن على في قول الرجل لامرأته : أنت على حرام ، هي ثلاث. وهذا منقطع أيضا.