ظهراؤه؟ فإن قلت : قوله (بَعْدَ ذلِكَ) تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدّمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله تعالى أعظم وأعظم. قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى ، لفضلهم على جميع خلقه (١). وقرئ : تظاهرا. وتتظاهرا. وتظهرا.
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً)(٥)
قرئ : يبدله ، بالتخفيف والتشديد للكثرة (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) مقرّات مخلصات (سائِحاتٍ) صائمات. وقرئ : سيحات ، وهي أبلغ. وقيل للصائم : سائح ، لأنّ السائح لا زاد معه ، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه ، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره. وقيل : سائحات مهاجرات ، وعن زيد بن أسلم : لم تكن في هذه الأمّة سياحة إلا الهجرة. فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيرا منهن ، ولم تكن على وجه الأرض نساء خير من أمّهات المؤمنين؟ (٢) قلت : إذا طلقهن رسول الله لعصيانهن له وإيذائهن إياه ، لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن ، وقد عرض بذلك في قوله (قانِتاتٍ) لأنّ القنوت هو القيام بطاعة الله ، وطاعة الله في طاعة رسوله. فإن قلت : لم أخليت الصفات كلها عن العاطف (٣) ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن (٤) في سائر الصفات ،
__________________
(١) قوله «لفضلهم على جميع خلقه» مذهب المعتزلة تفضيل الملك على البشر ، وأهل السنة على تفضيل بعض البشر على الملائكة. (ع)
(٢) قوله «نساء خير من أمهات المؤمنين» لعله خيرا. (ع)
(٣) قال محمود : «إن قلت لم أخليت هذه الصفات من العاطف ... الخ» قال أحمد : وقد ذكر لي الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله : أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب رحمه الله كان يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية ، لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة ، فكان الفاضل يتبجج باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة صلة ، أحدها التي في الصفة الثامنة من قوله (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) عند قوله (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) والثانية في قوله (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) والثالثة في قوله (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب : ولم يزل الفاضل يستحسن ذلك من نفسه إلى أن ذكره يوما بحضرة أبى الجود النحوي المقري فبين له أنه واهم في عدها من ذلك القبيل ، وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إلى الإتيان بها هاهنا ، لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد ، وواو الثمانية إن ثبتت فإنما ترد بحيث لا حاجة إليها إلا للاشعار بتمام نهاية العدد الذي هو السبعة ، فأنصفه الفاضل رحمه الله ، واستحسن ذلك منه وقال : أرشدنا يا أبا الجود.
(٤) قوله «لا يجتمعن فيهما اجتماعهن» لعل فيه قلبا ، والأصل : لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن. (ع)