الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة. وعن قتادة : مجاهدة المنافقين لإقامة الحدود عليهم. وعن مجاهد : بالوعيد. وقيل : بإفشاء أسرارهم.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(١٠)
مثل الله عز وجل حال الكفار ـ في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم (١) من غير إبقاء ولا محاباة ، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر ، لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل ، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد ، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله ـ بحال امرأة نوح وامرأة لوط : لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج إغناء مّا من عذاب الله (وَقِيلَ) لهما عند موتهما أو يوم القيامة : (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ) سائر (الدَّاخِلِينَ) الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء. أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. ومثل حال المؤمنين ـ في أنّ وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله ـ بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله تعالى ، مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى ، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين ، مع أنّ قومها كانوا كفارا. وفي طىّ هذين التمثيلين تعريض بأمّى المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) بما كرهه وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ، لما في التمثيل من ذكر الكفر. ونحوه في التغليظ قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين ، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله ، فإنّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين ، والتعريض بحفصة أرجح ، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله ، وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدا يدق عن تفطن العالم ويزل عن نبصره.
__________________
(١) قوله «حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم» أى الذين بينهم وبين المؤمنين علاقة. وقوله «مثلهم» أى ممن لا علاقة بينهم وبين المؤمنين. (ع)
(٢) قوله «على التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم» لعله من التظاهر ، كعبارة النسفي. (ع)