شتى جمع عزة ، وأصلها عزوة ، كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى ؛ فهم مفترقون. قال الكميت :
ونحن وجندل باغ تركنا |
|
كتائب جندل شتّى عزينا (١) |
وقيل : كان المستهزءون خمسة أرهط (كَلَّا) ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة ، ثم علل ذلك بقوله (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) إلى آخر السورة ، وهو كلام دال على إنكارهم البعث ، فكأنه قال : كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء ، فمن أين يطمعون في دخول الجنة؟ فإن قلت : من أى وجه دل هذا الكلام على إنكار البعث؟ قلت : من حيث أنه احتجاج عليهم بالنشأة الأولى ، كالاحتجاج بها عليهم في مواضع من التنزيل ، وذلك قوله (خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أى من النطف ، وبالقدرة على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم ، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه لا يعجزه شيء ، والغرض أن من قدر على ذلك لم تعجزه الإعادة. ويجوز أن يراد : إنا خلقناهم مما يعلمون ، أى : من النطفة المذرة ، وهي منصبهم الذي لا منصب أوضع منه. ولذلك أبهم وأخفى : إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره ، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون : لندخلن الجنة قبلهم. وقيل : معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بنى آدم كلهم ، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح ، فلم يطمع أن يدخلها من ليس له إيمان وعمل. وقرئ : برب المشرق والمغرب. ويخرجون ، ويخرجون. ومن الأجداث سراعا ، بالإظهار والإدغام. ونصب ، ونصب : وهو كل ما نصب فعبد من دون الله (يُوفِضُونَ) يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» (٢).
__________________
(١) الكميت. والكتائب : جمع كتيبة وهي الجماعة. وشتى : جمع شتيت ، كمرضى ومريض ، وعزين : جمع عزة ، أصلها عزو ، فعوضت التاء عن الواو ، من عزاه إلى كذا ، أى : نسبه إليه ، لأن بعضها ينتسب إلى بعض. أو لأنها تنتسب إلى رئيسها. أو إلى أصلها الأعلى ، وهذا كناية عن قتله مع كثرة جيشه.
(٢) أخرجه الثعلبي والراحدى وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب ،