والرهق : غشيان المحارم. والمعنى : أنّ الإنس باستعاذتهم بهم زادوهم كبرا وكفرا ، وذلك أنّ الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره وخاف على نفسه قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ، يريد الجن وكبيرهم ، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا : سدنا الجن والإنس ، فذلك رهقهم. أو فزاد الجن الإنس رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم (وَأَنَّهُمْ) وأنّ الإنس (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) وهو من كلام الجن ، يقوله بعضهم لبعض. وقيل : الآيتان من جملة الوحى. والضمير في (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا) للجنّ ، والخطاب في (ظَنَنْتُمْ) لكفار قريش.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(٩)
اللمس : المس ، فاستعير للطلب ، لأنّ الماس طالب متعرّف. قال :
مسسنا من الآباء شيئا وكلّنا |
|
إلى نسب في قومه غير واضع (١) |
يقال : لمسه والتمسه وتلمسه «كطلبه وأطلبه وتطلبه» ونحوه : الجس. وقولهم ؛ جسوه بأعينهم وتجسسوه. والمعنى : طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها. والحرس : اسم مفرد في معنى الحرّاس ، كالخدم في معنى الخدّام ، ولذلك وصف بشديد ، ولو ذهب إلى معناه لقيل : شدادا ، ونحوه
أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا (٢)
لأنّ الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركاب. والرصد : مثل الحرس : اسم جمع
__________________
(١) مسسنا عن الآباء شيئا فكلنا |
|
إلى نسب في قومه غير واضع |
فلما بلغنا الأمهات وجدتم |
|
بنى عمكم كانوا كرام المضاجع |
ليزيد بن الحاكم الكلابي. ومسسنا : أى نلنا ، فالمس مجاز مرسل ، فكل منا ينتمي إلى نسب في قومه غير منخفض ويروى : إلى حسب ، فاستوينا من جهة الآباء في التفاخر ، فلما بلغنا فيه ذكر الأمهات وجدتم أقاربكم كرام المضاجع كناية عن الأزواج. أو عبر باسم المحل عن الحال فيه ، وهن الأزواج مجازا مرسلا ، وكرم النساء مذموم ، لأنه كناية عن الخنا ، كما يكنى ببخلهن عن العفة ، فلسنا سواء في الأمهات.
(٢) أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا |
|
والذئب أخشاه وكلبا عاويا |
الرجيل : تصغير رجل. والركيب : تصغير ركب. غاديا : أى سائرا في الغداة على العادة. يقول : أخاف لهرمى. وضعفى الرجل الصغير والركب القليل. والذئب : نصب بمضمر ، كالمذكور على الاشتغال. أى : وأخشى الذئب وكلبا عطف عليه. أو نصب بمضمر ، أى : وأخشى كلبا عاويا. والجملة معطوفة على جملة «أخشى رجيلا» وعيد الكلب بكونه علويا ، لئلا يتوهم كذبه في دعواه.