على محل الجار والمجرور في آمنا به ، كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي (نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) جماعة منهم ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقيل : كانوا من الشيصبان ، وهم أكثر الجنّ عددا وعامة جنود إبليس منهم (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا) أى : قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم ، كقوله (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً) ، (عَجَباً) بديعا مباينا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه ، قائمة فيه دلائل الإعجاز. وعجب مصدر يوضع موضع العجيب. وفيه مبالغة : وهو ما خرج عن حد أشكاله ونظائره (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يدعو إلى الصواب. وقيل : إلى التوحيد والإيمان. والضمير في (بِهِ) للقرآن ، ولما كان الإيمان به إيمانا بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك : قالوا (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) أى : ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك به في طاعة الشيطان. ويجوز أن يكون الضمير لله عز وجل ، لأنّ قوله (بِرَبِّنا) يفسره (جَدُّ رَبِّنا) عظمته من قولك : جدّ فلان في عينى ، أى : عظم. وفي حديث عمر رضى الله عنه : كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا. وروى في أعيننا (١). أو ملكه وسلطانه. أو غناه ، استعارة من الجد الذي هو الدولة والبخت ، لأن الملوك والأغنياء هم المجدودون. والمعنى : وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته. أو لسلطانه وملكوته. أو لغناه. وقوله (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) بيان لذلك. وقرئ : جدّا ربنا ، على التمييز. وجدّ ربنا ، بالكسر : أى صدق ربوبيته وحق إلهيته عن اتخاذ الصاحبة والولد ، وذلك أنهم لما سمعوا القرآن ووفقوا للتوحيد والإيمان : تنبهوا على الخطإ فيما اعتقده كفرة الجنّ من تشبيه الله بخلقه واتخاذه صاحبة وولدا ، فاستعظموه ونزهوه عنه. سفيههم : إبليس لعنه الله أو غيره من مردة الجن. والشطط : مجاوزة الحدّ في الظلم وغيره. ومنه : أشط في السوم ، إذا أبعد فيه ، أى : يقول قولا هو في نفسه شطط ، لفرط ما أشط فيه ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله ، وكان في ظننا أنّ أحدا من الثقلين لن يكذب على الله ولن يفترى عليه ما ليس بحق ، فكنا نصدّقهم فيما أضافوا إليه من ذلك ، حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم وافتراؤهم (كَذِباً) قولا كذبا ، أى : مكذوبا فيه. أو نصب نصب المصدر لأنّ الكذب نوع من القول. ومن قرأ : أن لن تقوّل : وضع كذبا موضع تقوّلا ، ولم يجعله صفة ، لأنّ التقوّل لا يكون إلا كذبا.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)(٧)
__________________
(١) لم أره عن عمر ، بل هو عن أنس ، كما مضى في البقرة.