أى قال عبد الله للمشركين أو للجن. ويجوز أن يكون من حكاية الجن لقومهم. وقيل (بَلاغاً) بدل من (مُلْتَحَداً) أى : لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلنى به. وقيل : (إِلَّا) هي «إن لا» ومعناه : أن لا أبلغ بلاغا ، كقولك : إن لا قياما فقعودا (وَرِسالاتِهِ) عطف على بلاغا ، كأنه قيل : لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات. والمعنى : إلا أن أبلغ عن الله فأقول : قال الله كذا ، ناسبا لقوله إليه ، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلنى بها من غير زيادة ولا نقصان. فإن قلت : ألا يقال : بلغ عنه. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «بلغوا عنى بلغوا عنى»؟ (١) قلت : من ليست بصلة للتبليغ ، إنما هي بمنزلة من في قوله (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) بمعنى بلاغا كائنا من الله. وقرئ : فأن له نار جهنم ، على : فجزاؤه أنّ له نار جهنم ، كقوله (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) أى : فحكمه أنّ لله خمسه. وقال (خالِدِينَ) حملا على معنى الجمع في من. فإن قلت : بم تعلق «حتى» ، وجعل ما بعده غاية له؟ قلت : بقوله (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ، ويستضعفون أنصاره ويستقلون عددهم (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من يوم بدر وإظهار الله له عليهم. أو من يوم القيامة (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ أنهم (أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال : من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده ، كأنه قال : لا يزالون على ما هم عليه (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) قال المشركون : متى يكون هذا الموعود؟ إنكارا له ، فقيل (قُلْ) إنه كائن لا ريب فيه ، فلا تنكروه ، فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فما أدرى متى يكون ، لأنّ الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة. فإن قلت : ما معنى قوله (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) والأمد يكون قريبا وبعيدا ألا ترى إلى قوله (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)؟ قلت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد ، فكأنه قال : ما أدرى أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية أى : هو (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ) فلا يطلع. و (مِنْ رَسُولٍ) تبيين لمن ارتضى ، يعنى : أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة ، لا كل مرتضى. وفي هذا إبطال للكرامات (٢) ، لأنّ الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين ، فليسوا برسل (٣). وقد
__________________
(١) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي بلفظ «بلغوا عنى ولو آية ... الحديث».
(٢) قوله «وفي هذا إبطال للكرامات» إبطالها مذهب المعتزلة ، وإثباتها مذهب أهل السنة ، وهي لا تنحصر في الاخبار بالغيب. (ع)
(٣) قال محمود : «إبطال للكرامات ، لأنه حصر ذلك في المرتضى من الرسل ، والولي وإن كان من المرتضين ... الخ» قال أحمد : ادعى عاما واستدل خاصا ، فان دعواه إبطال الكرامات بجميع أنواعها ، والمدلول عليه بالآية إبطال اطلاع الولي على الغيب خاصة ، ولا يكون كرامة وخارق للعادة إلا الاطلاع على الغيب لا غير ، وما القدرية إلا ولهم شبهة في إبطالها ، وذلك أن الله عز وجل لا يتخذ منهم وليا أبدا وهم لم يحدثوا بذلك عن أشياعهم ـ