خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم ، لأنّ أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يدي من ارتضى للرسالة (وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين يطردونهم عنه ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم ، حتى يبلغ ما أوحى به إليه. وعن الضحاك : ما بعث نبىّ إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك (لِيَعْلَمَ) الله (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) يعنى الأنبياء : وحد أولا على اللفظ في قوله (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ثم جمع على المعنى ، كقوله (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ) والمعنى : ليبلغوا رسالات ربهم كما هي ، محروسة من الزيادة والنقصان ، وذكر العلم كذكره في قوله تعالى (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) وقرئ : ليعلم ، على البناء للمفعول (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) بما عند الرسل من الحكم والشرائع ، لا يفوته منها شيء ولا ينسى منها حرفا ، فهو مهيمن عليها حافظ لها (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) من القطر والرمل وورق الأشجار ، وزبد البحار ، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه. وعددا : حال ، أى : وضبط كل شيء معدودا محصورا. أو مصدر في معنى إحصاء.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جنى صدق محمدا صلى الله عليه وسلم وكذب به عتق رقبة» (١).
__________________
ـ فط ، فلا جرم أنهم يستمرون على الإنكار ولا يعلمون أن شرط الكرامة الولاية ، وهي مسلوبة عنهم اتفاقا وأما سلب الايمان فمسألة خلاف ، فما أطمع من يكون إيمانه مسألة خلاف وهو يريد الكرامة لأنه لم يؤتها والله الموفق.
(١) أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.