فذمه بالاشتمال بكسائه ، وجعل ذلك خلاف الجلد والكبس ، وأمر بأن يختار على الهجود التهجد ، وعلى التزمل التشمر ، والتخفف للعبادة والمجاهدة في الله ، لا جرم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تشمر لذلك مع أصحابه حق التشمر ، وأقبلوا على إحياء لياليهم ، ورفضوا له الرقاد والدعة ، وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم ، وظهرت السيمى في وجوههم وترامى أمرهم إلى حد رحمهم له ربهم ، فخفف عنهم. وقيل : كان متزملا في مرط لعائشة (١) يصلى ، فهو على هذا ليس بتهجين ، بل هو ثناء عليه وتحسين لحاله التي كان عليها ، وأمر بأن يدوم على ذلك ويواظب عليه. وعن عائشة رضى الله عنها : أنها سئلت ما كان تزميله؟ قالت : كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا نصفه علىّ وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلى ، فسئلت : ما كان؟ قالت : والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزى (٢) ولا إبريسما ولا صوفا : كان سداه شعرا ولحمته وبرا (٣). وقيل : دخل على خديجة ، وقد جئث فرقا (٤) أول ما أتاه جبريل وبوادره ترعد ، فقال : زملوني زملوني ، وحسب أنه عرض له ، فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل : يا أيها المزمل (٥). وعن عكرمة : أنّ المعنى : يا أيها الذي زمل أمرا عظيما ، أى : حمله. والزمل : الحمل. وازدمله : احتمله. وقرئ : قم الليل بضم الميم وفتحها. قال عثمان بن جنى : الغرض بهذه الحركة التبلغ بها هربا من التقاء الساكنين ، فبأى الحركات تحرّك فقد وقع الغرض (نِصْفَهُ) بدل من الليل. وإلا قليلا : استثناء من النصف ، كأنه قال : قم أقل من نصف الليل. والضمير في منه وعليه للنصف ، والمعنى : التخيير بين أمرين ، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت ، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. وإن شئت جعلت
__________________
ـ سعد إلى الماء والحال أنه مشتمل متلفف بثيابه لا متشمر. وذكر الظاهر مكان المضمر : فيه نوع من التوبيخ. ما هكذا تورد ، أى : تساق إلى الماء ، وكان معرضا عنه فالتفت إليه ونداؤه نداء البعيد : دلالة على أنه بليد. وحق هاء التنبيه : الدخول على اسم الاشارة ، لكن قدمت على كاف التشبيه مبادرة واهتماما بالتنبيه. ويروى بدل الشطر الثاني : يا سعد ما تروى بهذا كالإبل. وهذاك اسم إشارة ، وصار هذا البيت يضرب مثلا لكل من لم يحسن القيام بشأن ما تولاه.
(١) قوله «وقيل كان متزملا في مرط لعائشة» كيف والسورة مكية. (ع)
(٢) قوله «ولا مرعزى» المرعزى الزغب الذي تحت شعر العنز اه صحاح. (ع)
(٣) لم أره هكذا ومن قوله «ما كان خزا» رواه البيهقي في الدعوات من حديثها في ليلة النصف من شعبان «انسل النبي صلى الله عليه وسلم من مرطى. ثم قالت : والله ما كان مرطى من حرير ولا قز. ولا كتان ولا كرسف ولا صوف. فقلنا : من أى شيء كان؟ قالت : إن كان سداه لمن شعر وإن كانت لحمته لمن وبر».
(٤) «قوله وقد جئث فرقا» أى أفزع ، فهو مجؤوث : أى مذعور ، كذا في الصحاح. وفيه البوادر من الإنسان وغيره : اللحمة التي بين المنكب والعنق. (ع)
(٥) لم أره هكذا. وأصله في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها.