نصفه بدلا من قليلا ، وكان تخييرا بين ثلاث : بين قيام النصف بتمامه ، وبين قيام الناقص منه وبين قيام الزائد عليه ، وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل ، وإن شئت قلت : لما كان معنى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) إذا أبدلت النصف من الليل ، قم أقل من نصف الليل ، رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقل من النصف ، فكأنه قيل : قم أقل من نصف الليل. أو : قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا ، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث. ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلا وفسرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف : وهو الربع ، كأنه قيل. أو انقص منه قليلا نصفه. وتجعل المزيد على هذا القليل ، أعنى الربع ، نصف الربع كأنه قيل : أو زد عليه قليلا نصفه. ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث ، فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع. فإن قلت : أكان القيام فرضا أم نفلا؟ قلت : عن عائشة رضى الله عنها أنّ الله جعله تطوّعا بعد أن كان فريضة. وقيل : كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ثم نسخ بهنّ إلا ما تطوّعوا به. وعن الحسن : كان قيام ثلث الليل فريضة ، وكانوا على ذلك سنة. وقيل : كان واجبا ، وإنما وقع التخيير في المقدار ، ثم نسخ بعد عشر سنين. وعن الكلبي : كان يقوم الرجل حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين ، ومنهم من قال : كان نفلا بدليل التخيير في المقدار ، ولقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ). ترتيل القرآن : قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات ، حتى يجيء المتلوّ منه شبيها بالثغر المرتل : وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان ، وألا يهذه هذا ولا يسرده سردا (١) ، كما قال عمر رضى الله عنه : شر السير الحقحقة. وشر القراءة الهذرمة ، حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر الألص (٢). وسئلت عائشة رضى الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت : لا كسردكم هذا ، لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها. و (تَرْتِيلاً) تأكيد في إيجاب الأمر به ، وأنه ما لا بد منه للقارئ.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(٥)
هذه الآية اعتراض ، ويعنى بالقول الثقيل : القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي
__________________
(١) قوله «وأن لا يهذّه هذّا ولا يسرده» الهذ : الاسراع. والسرد : التتابع. والحقحقة : شدة السير. والألص : متقارب الأسنان. أفاده الصحاح. وفيه «الهذرمة» سرعة القراءة. (ع)
(٢) لم أره عنه من رواية منصور ، وإنما قال أبو عبيد بن قتيبة في الغريب قال عمر «شر القراءة الهزرمة» وأخرجه الخطيب في الجامع من رواية منصور بن جعفر قال : قرأت على أبى محمد بن درستويه. قال : قرأنا على ابن قتيبة بهذا وروى ابن المبارك في الزهد من رواية الحسن قال «كان يقال : شر السير الجعجعة» ورواه ابن عدى مرفوعا من رواية الحسن بن دينار عن الحسن بن أبى هريرة. والحسن بن دينار ضعيف.