الحسن : أنه أمسى صائما ، فأتى بطعام ، فعرضت له هذه الآية ، فقال : ارفعه ، ووضع عنده الليلة الثانية ، فعرضت له ، فقال : ارفعه ، وكذلك الليلة الثالثة ، فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء ، فجاءوا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق (يَوْمَ تَرْجُفُ) منصوب بما في لدينا. والرجفة : الزلزلة والزعزعة الشديدة. والكثيب : الرمل المجتمع من كثب الشيء إذا جمعه ، كأنه فعيل بمعنى مفعول في أصله. ومنه الكثبة من اللبن ، قالت الضائنة : أجز جفالا وأحلب كثبا (١) عجالا ، أى : كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا ، أى : نثر وأسيل.
(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً)(١٦)
الخطاب لأهل مكة (شاهِداً عَلَيْكُمْ) يشهد عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم. فإن قلت : لم نكر الرسول ثم عرف؟ قلت : لأنه أراد : أرسلنا إلى فرعون بعض الرسل ، فلما أعاده وهو معهود بالذكر أدخل لام التعريف إشارة إلى المذكور بعينه (وَبِيلاً) ثقيلا غليظا ، من قولهم : كلأ وبيل وخم لا يستمرأ لثقله. والوبيل : العصا الضخمة. ومنه الوابل للمطر العظيم.
(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً)(١٨)
(يَوْماً) مفعول به ، أى : فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له ، إن بقيتم على الكفر. ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا. ويجوز أن يكون ظرفا ، أى : فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا. ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم ، أى فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء : لأن تقوى الله خوف عقابه (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال. والأصل فيه : أنّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان. أسرع فيه الشيب. قال أبو الطيب :
والهمّ يخترم الجسيم نحافة |
|
ويشيب ناصية الصّبىّ ويهرم (٢) |
__________________
ـ عليه وسلم بهذا» ورواه ابن عدى من رواية أبى يوسف عن حمزة عن حمدان عن أبى حرب بن أبى الأسود. وقال غيره : أن يوسف يرويه عن حمزة عن حسب عن حمران.
(١) قوله «وأجز جفالا وأحلب كثبا» الجفال : الصوف الكثير. والكثبة من اللبن : قدر حلبة ، والجمع كثب ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) لأبى الطيب ، يقول : ان الهم ينتقص الرجل الجسيم ويقتطعه شيئا فشيئا. ونحف نحافة : هزل هزالا ، فنحافة مفعول مطلق ، لأنها تلاقى الاحترام في المعنى. ويجوز أنها تمييز ، أى : ينتقص الهم العظيم الجسيم من جهة ـ