إدخال «لا» النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم. قال امرؤ القيس :
لا وأبيك أبنة العامرىّ |
|
لا يدّعى القوم أنّى أفرّ (١) |
وقال غوثة بن سلمى :
ألا نادت أمامة باحتمال |
|
لتحزننى فلا بك ما أبالى (٢) |
وفائدتها توكيد القسم ، وقالوا إنها صلة مثلها في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) وفي قوله:
في بئر لا حور سرى وما شعر (٣)
واعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله ، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض ، والاعتراض صحيح ، لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام ، ولكن الجواب غير سديد. ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته. والوجه أن يقال : هي للنفي. والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدلك عليه قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إنّ إعظامى له بإقسامى به كلا إعظام ، يعنى أنه يستأهل فوق ذلك. وقيل إن «لا» نفى لكلام
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٦٩٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢)
إذا نادت أمامة باحتمال |
|
لتحزننى فلا بك ما أبالى |
فسيرى ما بدا لك أو أقيمي |
|
فأيا ما أتيت ففي نقالى |
لغوثة بن سلمى بن ربيعة ، يقول : إذا أظهرت أمامة محبوبتى أمارات الارتحال عنى لتحزننى ، فأطلق النداء على ذلك مجازا. ويروى «ألا» بدل «إذا» ولا زائدة قبل القسم ، لأن المعنى فبحقك وحياتك ما أبالى ولا أحزن ، وحسن زيادتها : أنها في الغالب مسلطة على دعوى الخصم نافية لها ، وفي القسم بمحبوبته على عدم المبالاة ببعدها عنه نوع تهكم بها. وقيل : المعنى فلا يقع ما أبالى على الدعاء ، وهذا إنما يظهر على رواية : فلا بك ما أبالى ، وأصله يكن ، أى : يحصل ، فحذفت النون عند الجزم تخفيفا. وما موصولة. ويروى : فآبك ، أى : أبعدك الله : دعاء أيضا. والتقالى : التباغض ، أى : فسيرى ما دام يظهر لك المسير ، أو أقيمى ، فهما منك سواء ، وأى شيء تفعلينه فهو ناشئ عن تباغض بيني وبينك ، ومع ذلك لا أعتنى بشأنك لأنى مشغول بأهم منك : وهو موت أقاربه ، والتفت إليها بالخطاب ليصدعها بالجواب.
(٣) في بئر لا حور سرى وما شعر |
|
بافكه حتى إذا الصبح حشر |
«لا» زائدة بين المضاف والمضاف إليه شذوذا. والحور ـ بالضم ـ : الهلكة جمع حائر أى هالك ، كبزل وبازل ، ونزل ونازل. وقيل : الحور بمعنى الهلاك ، وجمعه : أحور ، أى : سرى في بئر هلاك وما درى بذلك. وقوله «بافكه» يجوز تعلقه بشعر ، ويجوز تعلقه بسرى ، وشبه سبب الهلاك بالبئر على طريق التصريح التحير والضرر بالوقوع في كل ، ولذلك قال : سرى ، وهو يناسب الظلمة والحيرة ، لأنه بمعنى سار ليلا. والافك : الباطل ، واستعار الصبح الحق على طريق التصريحية ، وحشر : أضاء واتضح ، فحينئذ تبين كذبه ، أى : دام على كذبه حتى ظهر الحق