على لفظ من ومعناه في آية واحدة. والثاني أن يكون أصله صائل على القلب ، ثم يقال صال في صائل ، كقولهم شاك في شائك. والثالث أن تحذف لام صال تخفيفا ويجرى الإعراب على عينه ، كما حذف من قولهم : ما باليت به بالة ، وأصلها بالية من بالي ، كعافية من عافى. ونظيره قراءة من قرأ : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) بإجراء الإعراب على العين.
(وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)(١٦٦)
(وَما مِنَّا) أحد (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، كقوله :
أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا (١)
بكفّى كان من أرمى البشر (٢)
مقام معلوم في العبادة ، والانتهاء إلى أمر الله مقصور عليه لا يتجاوزه ، كما روى : فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، وساجد لا يرفع رأسه (لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) نصف أقدامنا في الصلاة ، أو أجنحتنا في الهواء. منتظرين ما نؤمر. وقيل : نصف أجنحتنا حول العرش داعين للمؤمنين. وقيل : إنّ المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية. وليس يصطف أحد من أهل الملل في صلاتهم غير المسلمين (الْمُسَبِّحُونَ) المنزهون أو المصلون. والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) كأنه قيل : ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا : سبحان الله ، فنزهوه عن ذلك ، واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤهم منه ، وقالوا للكفرة فإذا صحّ ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه ، إلا من كان مثلكم ممن علم الله ـ لكفرهم ، لا لتقديره وإرادته (٣) ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ أنهم من أهل النار ، وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة؟ وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه ، لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا ، خشوعا لعظمته
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٣٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٦١٦ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) قوله «لا لتقديره وإرادته تعالى» مبنى على مذهب المعتزلة أن الله لا يقدر الشر ولا يريده. وقال أهل السنة : إن كل كائن فهو بقضاء الله وقدره كما بين في علم التوحيد. (ع)