وتواضعا لجلاله ، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته وأجنحتنا ، مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين ، وكما يجب على العباد (١) لربهم. وقيل : هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعنى : وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله ، من قوله تعالى (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة يسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه.
(وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(١٧٠)
هم مشركو قريش كانوا يقولون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أى كتابا (مِنَ) كتب (الْأَوَّلِينَ) الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل ، لأخلصنا العبادة لله ، ولما كذبنا كما كذبوا ، ولما خالفنا كما خالفوا ، فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار ، والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب ، فكفروا به. ونحوه (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) فسوف يعلمون مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام. وإن : هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة. وفي ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادّين فيه ، فكم بين أوّل أمرهم وآخره.
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(١٧٣)
الكلمة : قوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) وإنما سماها كلمة وهي كلمات عدّة ، لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة. وقرئ : كلماتنا : والمراد الموعد بعلوهم على عدوهم في مقاوم الحجاج وملاحم القتال في الدنيا ، وعلوهم عليهم في الآخرة ، كما قال (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولا يلزم انهزامهم (٢) في بعض المشاهد ، وما جرى عليهم من القتل فإن الغلبة كانت لهم ولمن بعدهم في العاقبة ، وكفى بمشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مثلا يحتذى عليها وعبرا يعتبر بها. وعن الحسن رحمه الله : ما غلب نبىّ في حرب ولا قتل فيها ، ولأن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه : الظفر والنصرة ـ وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة ـ والحكم للغالب. وعن ابن عباس رضى الله
__________________
(١) قوله «وكما يجب على العباد لربهم» لعله كما يجب. كعبارة النسفي. (ع)
(٢) قوله «ولا يلزم انهزامهم» أى لا يرد نقضا للغلبة والنصر. (ع)