الجنة ومن شاء أدخله النار (بِما قَدَّمَ) من عمل عمله (وَ) بما (أَخَّرَ) منه لم يعمله أو بما قدم من ماله فتصدق به ، أو بما أخره فخلفه. وبما قدم من عمل الخير والشر ، وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة فعمل بها بعده. وعن مجاهد : بأوّل عمله وآخره. ونحوه : فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه (بَصِيرَةٌ) حجة بينة وصفت بالبصارة على المجاز ، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أو عين بصيرة. والمعنى أنه ينبأ بأعماله وإن لم ينبأ ، ففيه ما يجزئ عن الإنباء ، لأنه شاهد عليها بما عملت ، لأنّ جوارحه تنطق بذلك (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها. وعن الضحاك : ولو أرخى ستوره ، وقال : المعاذير الستور ، واحدها معذار ، فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. فإن قلت : أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير؟ قلت : المعاذير ليس بجمع معذرة ، إنما هو اسم جمع لها ، ونحوه : المناكير في المنكر.
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)(٢٥)
الضمير في (بِهِ) للقرآن ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحى نازع جبريل القراءة ، ولم يصبر إلى أن يتمها ، مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن يتفلت منه ، فأمر بأن يستنصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه ، حتى يقضى إليه وحيه ، ثم يقفيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه. والمعنى : لا تحرّك لسانك بقراءة الوحى ما دام جبريل صلوات الله عليه يقرأ (لِتَعْجَلَ بِهِ) لتأخذه على عجلة ، ولئلا يتفلت منك. ثم علل النهى عن العجلة بقوله (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك وإثبات قراءته في لسانك (فَإِذا قَرَأْناهُ) جعل قراءة جبريل قراءته : والقرآن : القراءة (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فكن مقفيا له فيه ولا تراسله ، وطأ من نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ ، فنحن في ضمان تحفيظه (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) إذا أشكل عليك شيء من معانيه ، كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعا ، كما ترى بعض الحراص على العلم ، ونحوه (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ، (كَلَّا) ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وإنكار لها عليه ، وحث على الأناة والتؤدة ، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله (بَلْ تُحِبُّونَ