وعن المأمون : أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج من ذهب وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ. فنظر إليه منثورا على ذلك البساط ، فاستحسن المنظر وقال : لله درّ أبى نواس ، وكأنه أبصر هذا حيث يقول :
كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها |
|
حصباء درّ على أرض من الذّهب (١) |
وقيل : شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه ، لأنه أحسن وأكثر ماء (رَأَيْتَ) ليس له مفعول ظاهر ولا مقدر ليشيع ويعم ، كأنه قيل : وإذا أوجدت الرؤية ، ثم. ومعناه : أن بصر الرائي أينما وقع لم يتعلق إدراكه إلا بنعيم كثير وملك كبير. و (ثَمَ) في موضع النصب على الظرف ، يعنى في الجنة ومن قال : معناه «ما ثم» فقد أخطأ ، لأن «ثم» صلة لما ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة (كَبِيراً) واسعا وهنيئا. يروى : أن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقيل لا زوال له. وقيل : إذا أرادوا شيأ كان. وقيل : يسلم عليهم الملائكة ويستأذنون عليهم. قرئ : عاليهم ، بالسكون ، على أنه مبتدأ خبره (٢) (ثِيابُ سُندُسٍ) أى ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس. وعاليهم. بالنصب ، على أنه حال من الضمير في (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أو في (حَسِبْتَهُمْ) أى يطوف عليهم ولدان عاليا للمطوف عليهم ثياب. أو حسبتهم لؤلؤا عاليا لهم ثياب. ويجوز أن يراد : رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب. وعاليتهم : بالرفع والنصب على ذلك. وعليهم. وخضر. وإستبرق : بالرفع ، حملا على الثياب بالجر على السندس. وقرئ : وإستبرق ، نصبا في موضع الجر على منع الصرف لأنه أعجمى ، وهو غلط لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ، تقول : الإستبرق ، إلا أن يزعم ابن محيصن أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب. وقرئ : وإستبرق ، بوصل الهمزة والفتح : على أنه مسمى باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأنّ أصله : استبره (وَحُلُّوا) عطف على (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ). فإن قلت : ذكر هاهنا أنّ أساورهم من فضة ، وفي موضع آخر أنها من
__________________
(١) لأبى نواس ، يصف الخمر بأن حبابها الذي يعلوها كالقوارير يشبه الدر ، وبأنها تشبه الذهب ، وهو من التشبيه المركب. وحكى أنه لما زفت بوران بنت الحسن بن سهل للمأمون بن الرشيد كان على بساط منسوج بالذهب ونثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ ، فنظر إليه وقال : لله در أبى نواس حيث قال : كأن صغرى ... البيت ، وقد عيب عليه استعمال صغرى وكبرى مجردتين من أل والاضافة ، مع أنهما عن أفعل التفضيل ، وهو إذا جرد وجب تذكيره.
(٢) قال محمود : «قرئ بالسكون على أنه مبتدأ خبره ثياب ... الخ» قال أحمد : في هذا الوجه الآخر نظر ، فانه يجعله داخلا في مضمون الحسبان ، وكيف يكون ذلك وهم لابسون السندس حقيقة ، لا على وجه التشبيه باللؤلؤ ، بخلاف كونهم لؤلؤا ، فانه على طريق التشبيه المقتضى لقرب شبههم باللؤلؤ إلى أن يحسبوا لؤلؤا. ويحتمل أن يصحح هذا الوجه لكن بعد تكلف مستغنى عنه بالأول.