والاستعمال الكثير على الحذف ، والأصل : قليل. ومعنى هذا الاستفهام : تفخيم الشأن ، كأنه قال : عن أى شأن يتساءلون. ونحوه ما في قولك : زيد ما زيد (١)؟ جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفى عليك جنسه فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره ، كما تقول : ما الغول وما العنقاء؟ تريد : أى شيء هو من الأشياء هذا أصله ، ثم جرد للعبارة عن التفخيم (٢) ، حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية (يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا. أو يتساءلون غيرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. نحو : يتداعونهم ويتراءونهم. والضمير لأهل مكة : كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ، ويتساءلون غيرهم عنه على طريق الاستهزاء (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بيان للشأن المفخم. وعن ابن كثير أنه قرأ : عمه ، بهاء السكت ، ولا يخلو : إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف وإما أن يقف ويبتدئ (يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) على أن يضمر (يَتَساءَلُونَ) لأنّ ما بعده يفسره ، كشيء يبهم ثم يفسر. فإن قلت : قد زعمت أنّ الضمير في يتساءلون للكفار ، فما تصنع بقوله (هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)؟ قلت : كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث ، ومنهم من يشك. وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعا ، وكانوا جميعا يسألون عنه. أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا ، وأما الكافر فليزداد استهزاء. وقيل : المتساءل عنه القرآن. وقيل : نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. وقرئ : يسّاءلون بالإدغام ، وستعلمون بالتاء.
(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)(٥)
(كَلَّا) ردع للمتسائلين هزؤا. و (سَيَعْلَمُونَ) وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أنّ ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق ، لأنه واقع لا ريب فيه. وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك. ومعنى (ثُمَ) الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشد.
__________________
ـ حذف الألف لدخول حرف الجر عليها ، وثبوتها قليل ، أى : على أى شيء يسبني لئيم مثل الخنزير المتمرغ في الرماد لذله. ويروى : في دمان كرماد وزنا ومعنى. أو بمعنى الدمنة وهي الكناسة المختلطة بالبعر ، ولعل ابن ثابت غيره وإلا فقصيدة ابن المنذر دالية لا نونية. والنوك : الحمق والهوج. والفؤاد : القلب والعقل ، أى : وتلقاه مع ما ثبت فيه من الخلل لا يخفى عليه الغى المبين ، أى : يرتكب طريقه ولا يعرف سبل الرشاد. ومعنى البعدية : تفاوت ما بين الخبرين. وغبا عليه الشيء ـ كرضى ـ : خفى عليه. وغبي هو عن الشيء ـ كرضى أيضا ـ : عجز عن معرفته. وفي قوله «لا يغبى ... الخ» طباق الإيجاب والسلب.
(١) قال محمود : «معنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن ، كأنه قيل : عن أى شيء يتساءلون ونحوه ما في قولك ... الخ» قال أحمد : وقد أكثرت أم زرع من هذا التفخيم في قولها : وأبو زرع ما أبو زرع ، إلى آخر حديثها.
(٢) قال محمود : «هذا أصله ، ثم جرد الدلالة على التفخيم ... الخ» قال أحمد. لان بعضهم يشك في البعث ، وبعضهم يبت النفي ، ومن ثم قيل الضمير للمسلمين والكافرين ، فسؤال المسلمين ليزدادوا خشية ، وإنما سؤال الكفار لزيادة الاستهزاء والكفر.