حقيبة الراكب ، والحقب الذي وراء التصدير (١) وقيل : الحقب ثمانون سنة ، ويجوز أن يراد : لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من «حقب عامنا» إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان : إذا أخطأه الرزق ، فهو حقب ، وجمعه أحقاب ، فينتصب حالا عنهم ، يعنى لابثين فيها حقيبين (٢) جحدين. وقوله (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) تفسير له والاستثناء منقطع ، يعنى : لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حرّ النار ، ولا شرابا يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل «البرد» النوم ، وأنشد :
فلو شئت حرّمت النّساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (٣) |
وعن بعض للعرب : منع البرد البرد (٤). وقرئ : غساقا ، بالتخفيف والتشديد : وهو ما يغسق ، أى : يسيل من صديدهم (وِفاقاً) وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة :وفاقا ، فعال من وفقه كذا (كِذَّاباً) تكذيبا ، وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ، وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله. وقرئ بالتخفيف ، وهو مصدر كذب ، بدليل قوله :
فصدقتها وكذبتها |
|
والمرء ينفعه كذابه (٥) |
وهو مثل قوله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) يعنى : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا. أو تنصبه بكذبوا ، لأنه يتضمن معنى كذبوا ، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب ، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا ، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين ، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة. أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر ، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرئ : كذابا ، وهو جمع كاذب ، أى : كذبوا
__________________
(١) قوله «والحقب الذي وراء التصدير» في الصحاح «التصدير» : الحزام ، وهو في صدر البعير ، والحقب عند الثيل. وفيه «الثيل» : وعاء قضيب البعير. (ع)
(٢) قوله «لابثين فيها حقيبين» لعله حقبين من حقب بالكسر كجحدين من جحد : إذا كان ضيقا قليل الخير فيهما ، أفاده الصحاح. (ع)
(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٩٤ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤) قوله «منع البرد البرد» أى : منع البرد النوم. (ع)
(٥) الكذاب ـ ككتاب ـ : مصدر مضاف لفاعله. وصدقتها وكذبتها ـ بتخفيفها ـ بمعنى : قلت لها قولا صادقا تارة ، وقولا كاذبا تارة أخرى. أو قلت لها : أنت صادقة تارة ، وأنت كاذبة تارة. والضمير لنفسه أو صاحبته مثلا. وعلل ذلك بأن الكذب قد ينفع.