بآياتنا كاذبين ، وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب ، يقال : رجل كذاب ، كقولك : حسان ، وبخال ، فيجعل صفة لمصدر كذبوا ، أى : تكذيبا كذابا مفرطا كذبه ، وقرأ أبو السمال : وكل شيء أحصيناه ، بالرفع على الابتداء (كِتاباً) مصدر في موضع إحصاء وأحصينا في معنى كتبنا ، لالتقاء الإحصاء ، والكتبة في معنى الضبط والتحصيل. أو يكون حالا في معنى : مكتوبا في اللوح وفي صحف الحفظة. والمعنى : إحصاء معاصيهم ، كقوله : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) وهو اعتراض. وقوله (فَذُوقُوا) مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ، وهي آية في غاية الشدّة ، وناهيك بلن نزيدكم ، وبدلالته على أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة. وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهدا على أنّ الغضب قد تبالغ ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : «هذه الآية أشدّ ما في القرآن على أهل النار» (١).
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً)(٣٦)
(مَفازاً) فوزا وظفرا بالبغية. أو موضع فوز. وقيل : نجاة مما فيه أولئك. أو موضع نجاة. وفسر المفاز بما بعده. والحدائق : البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. والأعناب : الكروم. والكواعب : اللاتي فلكت ثدييهن (٢) ، وهن النواهد. والأتراب. اللدات : والدهاق : المترعة. وأدهق الحوض : ملأه حتى قال قطني. وقرئ : ولا كذابا ، بالتشديد والتخفيف ، أى : لا يكذب بعضهم بعضا. ولا يكذبه. أولا يكاذبه. وعن على رضى الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين (جَزاءً) مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) كأنه قال : جازى المتقين بمفاز. و (عَطاءً) نصب بجزاء نصب المفعول به. أى : جزاهم عطاء. و (حِساباً) صفة بمعنى : كافيا. من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي. وقيل. على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب : حسابا ، بالتشديد ، على أنّ الحساب بمعنى المحسب ، كالدرّاك بمعنى المدرك.
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧)
__________________
(١) أخرجه ابن أبى حاتم والثعلبي من رواية جسر بن فرقد السبخى عن الحسن سألت أبا برزة الأسلمي فذكره وجسر ضعيف. ورواه الطبراني والبيهقي في الشعب موقوفا.
(٢) قوله «فلكت ثديهن» في الصحاح : «فلك ثدي الجارية تفليكا» وتفلك : استدار. (ع)