يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً)(٣٩)
قرئ : رب السماوات. والرحمن : بالرفع ، على : هو رب السماوات الرحمن. أو رب السماوات مبتدأ ، والرحمن صفة ، ولا يملكون : خبر. أو هما خبران. وبالجر على البدل من ربك ، وبجر الأوّل ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره (لا يَمْلِكُونَ). أو هو الرحمن لا يملكون. والضمير في (لا يَمْلِكُونَ) لأهل السماوات والأرض ، أى : ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك ، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب ، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. و (يَوْمَ يَقُومُ) متعلق بلا يملكون ، أو بلا يتكلمون. والمعنى : إنّ الذين هم أفضل الخلائق (١) وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه ، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟ والروح : أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين. وقيل : هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرض خلقا أعظم منه. وقيل : ليسوا بالملائكة ، وهم يأكلون. وقيل : جبريل. هما شريطتان : أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى (٢) ، لقوله تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى).
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُتُراباً)(٤٠)
(الْمَرْءُ) هو الكافر لقوله تعالى (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) والكافر : ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم ، ويعنى (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الشر ، كقوله (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) ،
__________________
(١) قوله «إن الذين هم أفضل الخلائق» تفضيلهم على البشر مذهب المعتزلة ، ومذهب أهل السنة تفضيل البشر عليهم : والظاهر أن الروح كالملك في هذا الخلاف ، فتدبر. (ع)
(٢) قال محمود : «وقف الشفاعة على شرطين ... الخ» قال أحمد : يعرض بأن الشفاعة لا تحل على مرتكبي الكبائر من الموحدين ، وقد صرح بذلك في مواضع تقدمت له ، ويتلقى ذلك من أنها مخصوصة بالمرتضين ، وذوو الكبائر ليسوا مرتضين. ومن ثم أخطأ فان الله عز وجل ما خصهم بالايمان والتوحيد وتوفاهم عليه ، إلا وقد ارتضاهم لذلك ، بدليل قوله تعالى (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) فجعل الشكر بمعنى الايمان المقابل للكفر ، مرضيا لله تعالى ، وصاحبه مرتضى.