طريقه التي جاء فيها فحفرها ، أى : أثر فيها بمشيه فيها : جعل أثر قدميه حفرا ، كما قيل : حفرت أسنانه حفرا : إذا أثر الآكال في أسناخها (١). والخط المحفور في الصخر. وقيل : حافرة ، كما قيل : عيشة راضية ، أى : منسوبة إلى الحفر والرضا ، أو كقولهم : نهارك صائم ، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه : رجع إلى حافرته ، أى طريقته وحالته الأولى. قال :
أحافرة على صلع وشيب |
|
معاذ الله من سفه وعار (٢) |
يريد : أرجوعا إلى حافرة. وقيل : النقد عند الحافرة ، يريدون عند الحالة الأولى : وهي الصفقة. وقرأ أبو حيوة : في الحفرة. والحفرة بمعنى : المحفورة. يقال : حفرت أسنانه فحفرت حفرا ، وهي حفرة ، وهذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفورة. يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر ، كقولك طمع فهو طمع وطامع ، وفعل أبلغ من فاعل ، وقد قرئ بهما : وهو البالي الأجوف الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير. و (إِذاً) منصوب بمحذوف ، تقديره : أئذا كنا عظاما نرد ونبعث (كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) منسوبة إلى الخسران ، أو خاسر أصحابها. والمعنى : أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها ، وهذا استهزاء منهم. فإن قلت : بم تعلق قوله (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ)؟ قلت : بمحذوف ، معناه : لا تستصعبوها ، فإنما هي زجرة واحدة ، يعنى : لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل ، فإنها سهلة هينة في قدرته ، ما هي إلا صيحة واحدة (٣) ، يريد النفخة الثانية (فَإِذا هُمْ) أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في جوفها ، من قولهم : زجر البعير ، إذا صاح عليه. والساهرة : الأرض البيضاء المستوية ، سميت بذلك لأنّ السراب يجرى فيها ، من قولهم : عين ساهرة جارية الماء ، وفي ضدها : نائمة. قال الأشعث بن قيس :
__________________
(١) قوله «أثر الآكال في أسناخلها» في الصحاح «أسناخ الأسنان» : أصولها. (ع)
(٢) أنشده ابن الأعرابى. والهمزة للإنكار. والحافرة في الأصل : الطريق المحفور بالسير ، فتسميته حافرة مجاز عقلى. أو على معنى النسب ، أى : ذات حفر ، ثم استعملت في كل حال كنت فيه ، ثم رجعت إليه. وهي نصب بمحذوف ، أى : أأرجع حافرة ، أى في طريقتي الأولى من الشباب والصبا. أو على نزع الخافض ، أى : أأرجع إليها. والصلع : انحسار شعر الجبهة ، ويغلب في الهرم. ومعاذ : مصدر نصب بمحذوف. والسفه : الجهل والطيش.
(٣) قال محمود : «إن قلت : كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب أنهم أنكروا الاعادة ... الخ» قال أحمد : وما أحسن تسهيل أمر الاعادة بقوله (زَجْرَةٌ) عوضا من صيحة ، لأن الزجرة أخف من الصيحة ، وبقوله (واحِدَةٌ) أى غير محتاجة إلى مثنوية ، وهو يحقق لك ما أجبت به من السؤال الوارد عند قوله تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) حيث قيل : كيف وحدها وهما نفختان ، فجدد به عهدا.