لذكر لك ولقومك. أو الذكرى والموعظة ، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها ، كأقاصيص الأنبياء والوعد والوعيد. والتنكير في (عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) للدّلالة على شدّتهما وتفاقمهما. وقرئ : في غرّة ، أى : في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق.
(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(٣)
(كَمْ أَهْلَكْنا) وعيد لذوي العزة والشقاق (فَنادَوْا) فدعوا واستغاثوا ، وعن الحسن. فنادوا بالتوبة (وَلاتَ) هي لا المشبهة بليس ، زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب ، وثم للتوكيد ، وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضيها : إمّا الاسم وإما الخبر ، وامتنع بروزهما جميعا ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه. وعند الأخفش : أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان. و (حِينَ مَناصٍ) منصوب بها ، كأنك قلت : ولا حين مناص لهم. وعنه : أنّ ما ينتصب بعده بفعل مضمر ، أى : ولا أرى حين مناص ، ويرتفع بالابتداء : أى ولا حين مناص كائن لهم ، وعندهما أنّ النصب على : ولات الحين حين مناص أى وليس حين مناص ، والرفع على ولات حين مناص حاصلا لهم. وقرئ : حين مناص ، بالكسر ، ومثله قول أبى زبيد الطائي :
طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
فأجبنا أن لات حين بقاء (١) |
فإن قلت : ما وجه الكسر في أوان؟ قلت : شبه بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح ، في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين : لأنّ الأصل : ولات أوان صلح. فإن قلت : فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم؟ قلت : نزل قطع المضاف إليه من مناص ، لأنّ
__________________
(١) بعثوا حربنا عليهم وكانوا |
|
في مقام لو أبصروا ورخاء |
ثم لما تشذرت وأنافت |
|
وتصلوا منها كريه الصلاء |
طلبوا صلحتا ولات أوان |
|
فأجبنا أن لات حين بقاء |
لأبى زبيد الطائي ، استعار البعث للتسبب. وتنوين مقام ورخاء للتعظيم. والتشذر : التهيؤ للقتال ، والتشمر بأطراف الثوب ، والتطاول ، والوعيد ، والركوب من خلف المركوب. والانافة : الارتفاع ، وكل هذا ترشيح لاستعارة البعث. ويجوز أنه شبه الحرب بفارس على طريق المكنية. والبعث والتشذر والانافة : تخييل. وشبهها بالنار أيضا فأثبت لهاء التصلى وهو التدفؤ بالنار تخييلا. أو استعار التصلى لاقتحام المكاره تصريحية ، وطلبوا : جواب لما ، أى : لما ذاقوا بأسنا طلبوا صلحنا ، والحال أنه ليس الأوان أوان صلح ، فأجبناهم بأن هذا ليس وقت بقاء ، بل وقت فناء. وأوان : منى على الكسر لنية الاضافة. وقيل : إنه مبنى على الكسر أيضا لنية الاضافة ، ونون للضرورة. وشبهه بنزال في الوزن. وقيل : مجرور على إضمار «من» الاستغراقية الزائدة. وزعم الفراء أن لات هنا حرف جر ، وعليها فتنوين أوان للتمكين. وزعم الزمخشري أنه على البناء تنوين عوض ، ورد بأنه لو كان كذلك لأعرب ، وحين نصب على أنه خبر لات في بقاء ، ثم تنزيلها منزلة نيتها في حين ، لأن التقدير : أن لات حين بقائكم ، وهو بعيد عن المعنى الجزل.