الكسب الرائن على قلوبهم. وكونهم محجوبين عنه : تمثيل (١) للاستخفاف بهم (٢) وإهانتهم ، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم. قال :
إذا اعتروا باب ذى عبية رجبوا |
|
والنّاس من بين مرجوب ومحجوب (٣) |
عن ابن عباس وقتادة وابن أبى مليكة : محجوبين عن رحمته. وعن ابن كيسان : عن كرامته :
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)(٢١)
(كَلَّا) ردع عن التكذيب. وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم. وعليون : علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين ، منقول من جمع «علىّ» فعيل من العلو كسجين من السجن ، سمى بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات في الجنة ، وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون ، تكريما له وتعظيما. روى «إن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه ، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدى وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وأنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين ، فقد غفرت له ، وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه ، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم : أنتم الحفظة على
__________________
(١) قال محمود : «كونهم محجوبين عنه تمثيل ... الخ» قال أحمد : هذا عند أهل السنة على ظاهره من أدلة الرؤية ، فان الله تعالى لما خص الفجار بالحجاب دل على أن المؤمنين الأبرار مرفوع عنهم الحجاب ، ولا معنى لرفع الحجاب إلا الإدراك بالعين ، وإلا فالحجاب على الله تعالى بغير هذا التفسير محال ، هذا هو الحق وما بعد الحق إلا الضلال ، وما أرى من جحد الرؤية المدلول عليها بقواطع الكتاب والسنة يحظي بها. والله المسئول في العصمة.
(٢) قوله «تمثيل للاستخفاف بهم» مبنى على مذهب المعتزلة : وهو عدم جواز الرؤية عليه تعالى. وذهب أهل السنة إلى جوازها. وفي النسفي : قال الزجاج : في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم ، وإلا لا يكون التخصيص مفيدا ، وقال الحسن بن الفصل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده ، حجبهم في العقبى عن رؤيته. وقال مالك بن أنس : لما حجب أعداءه فلم يروه ، تجلى لأوليائه حتى رأوه. وكذا في الخازن. وفيه أيضا : قال الشافعي : في الآية دلالة على أن أولياء الله يرون الله جل جلاله.
(٣) غزوا : قصدوا. وروى : اعتروا ، أى : نزلوا به وأصابوه. والعبية : الكبر والفخر. قال صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية بالآباء» الناس رجلان : مؤمن تقى وكافر شقى». ورجبة الرجل : عظمته. يقول إنهم يلجون أبواب العظماء لا تمنعهم الحجاب ، بخلاف غيرهم فإنهم تارة وتارة.