(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ)(٧)
فإن قلت : ما وجه اتصال قوله (فَلْيَنْظُرِ) بما قبله؟ قلت : وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا ، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى ، حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته ، و (مِمَّ خُلِقَ) استفهام جوابه (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) والدفق : صبّ فيه دفع. ومعنى دافق : النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق ، كاللابن والتامر. أو الاسناد المجازى. والدفق في الحقيقة لصاحبه ، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم ، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) من بين صلب الرجل وترائب المرأة : وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة. وقرئ : الصلب ـ بفتحتين ، والصلب بضمتين. وفيه أربع لغات : صلب ، وصلب ،
وصلب وصالب. قال العجاج : |
|
في صلب مثل العنان المؤدم (١) |
وقيل : العظم والعصب من الرجل ، واللحم والدم من المرأة.
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠)
(إِنَّهُ) الضمير للخالق ، لدلالة خلق عليه. ومعناه : إنّ ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة (عَلى رَجْعِهِ) على إعادته خصوصا (لَقادِرٌ) لبين القدرة لا يلتاث (٢) عليه ولا يعجز عنه. كقوله : إننى لفقير (٣) (يَوْمَ تُبْلَى) منصوب برجعه ، ومن جعل الضمير في (رَجْعِهِ) للماء
__________________
(١) ريا العظام فخمة المخدم |
|
في صلب مثل العنان المؤدم |
العجاج. والريا : تأنيث الريان ، أى : لينة العظام ، سمينة محل الخدام وهو الخلخال. والمخدم ـ بالتشديد ـ على اسم المفعول. والصلب ـ بضمتين ، وبفتحتين ، وبضم فسكون ـ : عظام الظهر ، والمراد هنا : الخصر. وفي بمعنى مع ، أى : وصفت بهذه الصفات ، مع أن لها خصرا رقيقا لينا ، مثل العنان المؤدم ، على اسم المفعول ، أى : المؤلف بالفتل ، يقال : أدم بينهما ـ بقصر الهمزة وبمدها ـ : بمعنى ألف وأصلح. أو المجعول له أدمة. أو لين الأدمة ـ بفتحتين ، وهي الجلدة المدبوغة المصلحة ، من أدمه بالمد : جعل له أدمة. والفخمة بالضم : الضخامة واسترخاء الرجلين. والفخمة ـ بالفتح ـ : وصف منه.
(٢) قوله «لا يلتاث عليه» في الصحاح «التاث في عمله» : أى أبطأ. (ع)
(٣) قوله «كقوله إننى لفقير» أى الشاعر ، حيث قال :
لئن كان يهدى برد أنيابها العلى |
|
لأفقر منى إننى لفقير (ع) |
وقد تقدم شرح هذا الشاهد بهذا الجزء صفحة ٢٣ فراجعه إن شئت اه مصححه.