نزلت تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ، فأخبروا عليا رضى الله عنه ، فجاء فاحتضنه من خلفه وقبله بين عاتقيه ، ثم قال : يا نبىّ الله ، بأبى أنت وأمى ما الذي حدث اليوم ، وما الذي غيّرك؟ فتلا عليه الآية. فقال على : كيف يجاء بها؟ قال : يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام ، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع (١). أى يتذكر ما فرّط فيه ، أو يتعظ (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) ومن أين له منفعة الذكرى ، لا بد من تقدير حذف المضاف ، وإلا فبين : يوم يتذكر ، وبين (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) تناف وتناقض (قَدَّمْتُ لِحَياتِي) هذه ، وهي حياة الآخرة ، أو وقت حياتي في الدنيا ، كقولك : جئته لعشر ليال خلون من رجب ، وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقا بقصدهم وإرادتهم ، وأنهم لم يكونوا محجوبين عن الطاعات مجبرين على المعاصي ، كمذهب أهل الأهواء (٢) والبدع ، وإلا فما معنى التحسر؟ قرئ : بالفتح ، يعذب ويوثق. وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبى عمرو أنه رجع إليها في آخر عمره. والضمير للإنسان الموصوف. وقيل هو أبىّ بن خلف أى لا يعذب أحد مثل عذابه ، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه ، لتناهيه في كفره وعناده ، أو لا يحمل عذاب الإنسان أحد ، كقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقرئ بالكسر ، والضمير لله تعالى ، أى : لا يتولى عذاب الله أحد ، لأنّ الأمر لله وحده في ذلك اليوم. أو للإنسان ، أى : لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه.
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي)(٣٠)
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) على إرادة القول ، أى : يقول الله للمؤمن (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) إمّا أن يكلمه إكراما له كما كلم موسى صلوات الله عليه ، أو على لسان ملك. و (الْمُطْمَئِنَّةُ) الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن ، وهي النفس المؤمنة أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ، ويشهد للتفسير الأوّل : قراءة أبىّ بن كعب: يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة. فإن قلت : متى يقال لها ذلك؟ قلت : إمّا عند الموت. وإمّا عند البعث ، وإمّا عند دخول الجنة. على معنى : ارجعي إلى موعد ربك (راضِيَةً) بما أوتيت (مَرْضِيَّةً) عند الله (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) في جملة عبادي الصالحين ، وانتظمى في سلكهم (وَادْخُلِي جَنَّتِي) معهم ، وقيل : النفس الروح.
__________________
(١) أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي من طريق عطية عن أبى سعيد به وأتم منه.
(٢) قوله «كمذهب أهل الأهواء» إن كان المراد بهم أهل السنة لقولهم بأن الله هو الخالقى لفعل العبد فهم يثبتون له الاختيار فيه لأنهم يثبتون له الكسب فيه وإن كان المراد بهم من قال بالجبر المحض وهم القائلون بأن العبد لا دخل له في فعله أصلا ، بل هو كالريشة المعلقة في الهواء ، فكلامه مسلم لظهور بطلان مذهبهم. (ع)