مكة ، ودخول الناس في الدين أفواجا ، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم ، وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب ، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة وأنهبهم من كنوز الأكاسرة ، وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام (١) ، وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين ، ولما ادّخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله. قال ابن عباس رضى الله عنهما : له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ قلت: هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف. تقديره : ولأنت سوف يعطيك ، كما ذكرنا في : لا أقسم ، أن المعنى : لأنا أقسم ، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء ، فلام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد ، فبقى أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدإ والخبر ، فلا بد من تقدير مبتدإ وخبر ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك. فإن قلت : ما معنى الجمع بين حرفى التوكيد والتأخير؟ قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر ، لما في التأخير من المصلحة.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٨)
عدّد عليه نعمه وأياديه ، وأنه لم يخله متها من أول تربيه وابتداء نشئه ، ترشيحا لما أراد به ، ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه ، لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير والكرامة : ولا يضيق صدره ولا يقل صبره. و (أَلَمْ يَجِدْكَ) من الوجود الذي بمعنى العلم : والمنصوبان مفعولا وجد. والمعنى : ألم تكن يتيما ، وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمّه ، وهو ابن ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب ، وعطفه الله عليه فأحسن تربيته (٢). ومن بدع التفاسير : أنه من قولهم «درّة يتيمة» وأن المعنى : ألم يجدك واحدا في قريش عديم
__________________
(١) قوله «وتهيب الإسلام» أى : تخوف ، كما في الصحاح ، أى : تخوف الناس من أهل الإسلام. (ع)
(٢) لم أجد هذا. وقال السهيلي في الروض : أكثر العلماء على أنه عليه الصلاة والسلام توفى أبوه وهو في المهد ، كما ذكره الدولابى وغيره. وقال ابن سعد : لا يثبت أنه مات أبوه وهو حمل. ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق: حدثني مطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده أنه ذكر ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال «توفى أبوه وأمه حلى به» وبذلك جزم ابن إسحاق. وأما سنه عند ما ماتت أمه. فجزم ابن إسحاق أنها ماتت وهو ابن ست سنين. وقال ابن حبيب : وهو ابن ثمان سنين. وأما كفالة عمه له فذكرها ابن إسحاق وغيره.