وثمّ ودعنا آل عمرو وعامر |
|
فرائس أطراف المثقّفة السّمر (١) |
والتوديع : مبالغة في الودع ، لأنّ من ودّعك مفارقا فقد بالغ في تركك. روى أنّ الوحى قد تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما. فقال المشركون : إنّ محمدا ودعه ربه وقلاه (٢). وقيل : إنّ أم جميل امرأة أبى لهب قالت له : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك (٣) ، فنزلت. حذف الضمير من (قَلى) كحذفه من (الذَّاكِراتِ) في قوله (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) يريد : والذاكراته ونحوه : (فَآوى ... فَهَدى ... فَأَغْنى) وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف.
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٥)
فإن قلت : كيف اتصل قوله (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) بما قبله؟ قلت : لما كان في ضمن نفى التوديع والقلى : أنّ الله مواصلك بالوحي إليك (٤) ، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجل منه : أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل ، وهو السبق والتقدّم على جميع أنبياء الله ورسله ، وشهادة أمته على سائر الأمم ، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته ، وغير ذلك من الكرامات السنية (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) موعد شامل لما أعطاه في الدنيا من الفلج والظفر (٥) بأعدائه يوم بدر ويوم فتح
__________________
(١) ثم إشارة لمكان الحرب أو زمانها ، واختلف في «دع» بمعنى اترك ، هل ينصرف فيأتى منه الماضي والمصدر ، واسم الفاعل والمفعول. قال الجوهري : أميت ماضيه وغيره ، وربما جاء في الضرورة اه ، وهو المشهور ، ولكن حيث جاء في القرآن (ما وَدَّعَكَ) بالتخفيف. وفي الحديث «لينتهين قوم عن ودعهم الجماعات» أى تركهم. وجاء اسم المفعول وغيره في الشعر ، فيجوز القول بقلة الاستعمال لا بالاماتة ، كما قاله بعض المتقدمين. والفرائس : مفعول ثان ، وهو جمع فريسة : وهي صيد الأسد المفترس. والمثقفة : المقومة بالثقاف ، وهو آلة تقويم الرماح. والسمرة : لون بين البياض والأدمة. وشبه الرماح بالأسود على طريق المكنية ، والفرائس تخييل ، والأقرب تشبيه آل عمر وآل عامر بالفرائس تشبيها بليغا لذكر الأطراف ، إلا أن يقال : إنها تجريد للمكنية ، لأنها تلائم الرماح.
(٢) أخرجه ابن مردويه من رواية العوفى عن ابن عباس في قوله (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) قال أبطأ عليه جبريل ـ الحديث».
(٣) متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله البجلي بلفظ «فجاءت امرأة فقالت يا محمد إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك. فأنزل الله (وَالضُّحى) وفي المستدرك من حديث زيد بن أرقم «أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث أياما لا ينزل عليه. فأتته امرأة أبى لهب فقالت : يا محمد ـ فذكره نحوه.
(٤) قال محمود : «إن قلت : كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب بأنه لما كان في ضمن التوديع وأقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك ... الخ» قال أحمد : وإخراج أهل الكبائر من النار بشفاعته مضاف إلى ذلك.
(٥) قوله «من الفلج والظفر» الفلج : أى الظهور والفوز والقهر ، كما بقيده الصحاح. (ع)