الإنسان في معنى الجمع ، كقوله (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ). (الْأَكْرَمُ) الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم ، ينعم على عباده النعم التي لا تحصى ، ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي وإطراحهم الأوامر ، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم ، فما لكرمه غاية ولا أمد ، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم ، حيث قال : الأكرم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فدلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ، ولو لا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره ودليل إلا أمر القلم والخط ، لكفى به. ولبعضهم في صفة القلم :
ورواقم رقش كمثل أراقم |
|
قطف الخطا نيّالة أقصى المدى |
سود القوائم ما يجدّ مسيرها |
|
إلّا إذا لعبت بها بيض المدى (١) |
__________________
(١) للزمخشري رحمه الله تعالى في صفة الأقلام ، وكان حقه أن يذكر في حرف الدال ، لأن حروف الإطلاق وهي الألف والواو والياء الساكنات غير معتبرة في هذه الأبواب ، وإنما أخرناه ليكون جزاء للأقلام على عملها كما أن الأجير يوفى أجره بعد تمام عمله. والرواقم : جمع راقمة صفة للأقلام ، وهو مجرور برب المقدرة. وخبره قوله : كمثل أراقم. أو قطف الخطى ، والأظهر أن الخبر قوله : ما يجد مسيرها. وإسناد الرقم إليها مجاز عقلى ، لأنها آلته. والرقش : جمع أرقش. أو رقشاء : الحية المنقوشة الظهر. والأراقم ـ جمع أرقم الشعبان الذي فيه سواد وبياض. والقطف : جمع أقطف : وهو الذي يقارب بين خطاه. والخطى : جمع خطوة بالضم. والمدى ، بالفتح : يطلق على المسافة وعلى غايتها. والسود : جمع أسود أو سوداء. والقوائم : الأرجل. والجد بمعنى الاجتهاد أو ضد الهزل. والبيض : جمع بيضاء. والمدى ، بالضم : جمع مدية ، وهي الشفرة ، ثم إنه شبه انتقاش الأقلام بانتقاش الحيات ، فاستعار له الرقش على سبيل الاستعارة التصريحية ، وشبهها بالأراقم بجامع التلون والامتداد يمينا وشمالا وانشقاق لسان كل شعبتين وإلقائه اللعاب ، فالجامع مركب حسى. وقيل : إنه من قبيل تشبيه المركب المحسوس بالمركب المحسوس بجامع الهيئات التي تقع عليها الحركة. وكرر أداة التشبيه التوكيد ، ثم شبهها بالدواب السائرة على طريق المكنية ، بجامع التلون والتردد ، والذهاب والإياب ، والتوصل بكل إلى المراد ، وإثبات القطف والخطو والقوائم : تخييل. وقيل : يجوز أن هذا من قبيل تشبيه المركب بالمركب أيضا ، وهي وإن كان سيرها قليلا : تبلغ صاحبها مراده ، وإن كان بعيدا فنسبة النيل إليها مجاز عقلى ، لأنها آلته. وشبه المراد المعقول بالمقصد المحسوس ، وهو آخر المسافة بجامع الاحتياج في إدراك كل إلى أسباب ، فأقصى المدى : استعارة تصريحية : وهي ترشيح لتلك المكفية ، وقوائم الأقلام : ما دق وطال من أطرافها ، وهي سود دائما ، وإثبات الجد للمسير مبالغة كجد جده. وشبه المدى بما يصح منه اللعب على سبيل المكنية ، وإثبات اللعب تخييل هذا بيانه. وفيه من البديع بين الرواقم والأراقم شبه الاشتقاق ، وبين «قطف الخطى» «ونيالة أقصى المدى» شبه التضاد ، وبين السود والبيض ، وبين الجد واللعب : طباق التضاد ، وبين المسير ولعب المدى : شبه التضاد بحسب الظاهر ، ـ