خذا بطن هرشى أو قفاها فإنّه |
|
كلا جانبي هرشى لهنّ طريق (١) |
والذرّة : النملة الصغيرة ، وقيل «الذرّ» ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. فإن قلت حسنات الكافر محبطة بالكفر ، وسيئات المؤمن معفوّة باجتناب الكبائر ، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرّ من الخير والشر (٢)؟ قلت : المعنى فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا : من فريق السعداء. ومن يعمل مثقال ذرّة شرا : من فريق الأشقياء ، لأنه جاء بعد قوله (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) ،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. «من قرأ سورة إذا زلزلت أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله» (٣).
__________________
(١) روى أن أعرابيا أخر قوله تعالى (خَيْراً يَرَهُ) عما بعده ، فقيل : قدمت وأخرت ، فضرب ذلك البيت مثلا. وهرشى ـ كسكرى : ثنية في طريق مكة عند الجحفة ، أى : اسلكا أما تلك الثنية أو خلفها ، فانه أى :
الحال والشأن كل من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها ، وتكرير لفظ «هرشى» لتقريرها في ذهن السامع خوف غفلته عنها ، والمقام كان مقام هداية ، فحسن فيه ذلك.
(٢) قال محمود : «إن قلت حسنات الكافر محبطة بالكفر ... الخ» قال أحمد : السؤال مبنى على قاعدتين ، إحداهما : أن حسنات الكافر محبطة بالكفر ، وهذه فيها نظر ، فان حسنات الكافر محبطة ، أى : لا يثاب عليها ولا ينعم. وأما تخفيف العذاب بسببها ، فغير منكر ، فقد وردت به الأحاديث الصحيحة. وقد ورد أن حاتما يخفف الله عنه لكرمه ومعروفه ، وورد ذلك في حق غيره كأبى طالب أيضا ، فحينئذ لحسنات الكافر أثر ما في تخفيف العذاب ، فيمكن أن يكون المرئي هو ذلك الأثر ، والله أعلم. وأما القاعدة الثانية : وهي القول بأن اجتناب الكبائر يوجب تمحيص الصغائر ويكفرها عن المؤمن ، فمردود عند أهل السنة ؛ فان الصغائر عندهم حكمها في التكفير في حكم الكبائر : تكفر بأحد أمرين : إما بالتوبة النصوح المقبولة ، وإما بالمشية لا غير ذلك. وأما اجتناب الكبيرة عندهم فلا يوجب التكفير للصغيرة ، فالسؤال المذكور إذا ساقط عن أهل السنة ، ولكن الزمخشري التزم الجواب عنه الزموه على قاعدته الفاسدة ، والله الموفق.
(٣) أخرجه الثعلبي من حديث على بإسناد أهل البيت ، لكنه من رواية أبى القاسم الطائي. وهو ساقط وشاهده عند ابن أبى شيبة والبزار من رواية سلمة بن وردان عن أنس مرفوعا : إذا زلزلت تعدل ربع القرآن» وأخرجه ابن مردويه والواحدي باسناديهما إلى أبى بن كعب بلفظ «من قرأ إذا زلزلت أعطى من الأجر كمن قرأ القرآن.