لما يبهرهم من الأمر الفظيع ، كما يقولون : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا). وقيل : هذا قول الكافر ، لأنه كان لا يؤمن بالبعث ، فأما المؤمن فيقول : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. فإن قلت : ما معنى تحديث الأرض والإيحاء لها؟ قلت : هو مجاز عن إحداث الله تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث بالنسيان ، حتى ينظر من يقول مالها إلى تلك الأحوال ، فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات؟ وأنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويحذرون منه. وقيل : ينطقها الله على الحقيقة. وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها (١). فإن قلت : (إِذا) ، و (يَوْمَئِذٍ) : ما ناصبهما؟ قلت : (يَوْمَئِذٍ) : بدل من (إِذا) ، وناصبهما (تُحَدِّثُ). ويجوز أن ينتصب (إِذا) بمضمر ، و (يَوْمَئِذٍ) بتحدث. فإن قلت : أين مفعولا (تُحَدِّثُ)؟ قلت : قد حذف أوّلهما ، والثاني أخبارها ، وأصله تحدث الخلق أخبارها ، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم. فإن قلت : بم تعلقت الباء في قوله (بِأَنَّ رَبَّكَ)؟ قلت ، بتحدّث ، معناه : تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها ، وأمره إياها بالتحديث. ويجوز أن يكون المعنى : يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها ، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها : تحديث بأخبارها ، كما تقول:نصحتني كل نصيحة ، بأن نصحتني في الدين. ويجوز أن يكون (بِأَنَّ رَبَّكَ) بدلا من (أَخْبارَها) كأنه قيل : يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها ، لأنك تقول : حدثته كذا وحدثته بكذا. و (أَوْحى لَها) بمعنى أوحى إليها ، وهو مجاز كقوله (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قال :
أوحى لها القرار فاستقرّت (٢)
وقرأ ابن مسعود : تنبئ أخبارها ، وسعيد بن جبير : تنبئ ، بالتخفيف. يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف (أَشْتاتاً) بيض الوجوه آمنين ، وسود الوجوه فزعين. أو يصدرون عن الموقف أشتاتا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار ، ليروا جزاء أعمالهم. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم : ليروا بالفتح. وقرأ ابن عباس وزيد بن على : يره ، بالضم. ويحكى أنّ أعرابيا أخر (خَيْراً يَرَهُ) فقيل له ، قدّمت وأخرت ، فقال :
__________________
(١) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من رواية ابن أيوب عن يحيى عن أبى سليمان المنقري عن أبى هريرة. وسعيد ثقة. وخالفه رشدين بن سعد وهو ضعيف فقال : عن يحيى بن أبى سليمان عن أبى حازم بالسندين المذكورين عن أنس بن مالك. وأخرجه ابن مردويه.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة ٧٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.