وهذا الطرح الموضوعي للأئمة يوحي بصريح القول : أن علم الغيب خاصة الهية ، ولكن الله (تعالي) قد يفيض من هذا الرافد علي رسوله ، ورسوله يفيض علي أهل بيته ، وأهل بيته قد يتحدثون بجزء منه بضرس قاطع ، فينبئون عن الحدث المستقبلي بلغة الحتم.
وقد كان أميرالمؤمنين الامام علي (عليهالسلام) دقيقا في الرد علي من نسب اليه علم الغيب ، فقال :
«ليس هو بعلم غيب ، وانما هو تعلم من ذي علم ، وانما علم الغيب علم الساعة ، وما عدده الله بقوله :
(ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) (١).
وما سوي ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، ودعا لي أن يعيه صدري ، وتفتطم عليه جوانحي» (٢).
والامامية لا تستكثر امداد العلم الموهبي لأئمة أهل البيت ويشاركهم في هذا ذوو النظر العقلي من أهل الاسلام ، وأدلته في السيرة أكثر من أن تحصي ، ولقد قال الامام الصادق لعبدالله النجاشي : «والله ان فينا من ينكث في قلبه ، وينقر في اذنه ، وتصافحه الملائكة».
فقلت : اليوم ، أو كان قبل اليوم؟
فقال الامام : «اليوم والله يابن النجاشي» (٣).
ولا أدل علي هذا من خوف الجبابرة وهلع الطغاة من هذه الظاهرة ، فهم يتحسسون منها ، وترتعد لها فرائصهم ، فقد تتحدث عن مستقبلهم ، وقد تكشف عما خبأ الدهر لهم.
__________________
(١) سورة لقمان / ٣٤.
(٢) محمد عبده / شرح نهجالبلاغة / ٢٣٩ / طبعة دار الأندلس / بيروت.
(٣) الاربلي / كشف الغمة ٢ / ٤١٦.