واذا ودعت هذا الجانب من العطاء العلمي السمح ، وأردت الوقوف علي الحياة العقلية عند الامام ، فستجده عملاق النظر العقلي ، وبكل الجدل الكلامي المفعم بروح الحضارة والتألق الفكري ، بما سيره من مناظرات ومحاضرات ومحاورات تكفل بها الفصل القادم.
واذا أردت طلائع الاصرار علي افاضة العلم في أحلك الظروف ، فما عليك الا الوقوف علي تلك المراسلات والمكاتبات التي حررها الامام (عليهالسلام) سواء أكان في المدينة المنورة في ظل الرقابة والرصد السياسي ، أم كان في محنة الارهاب في قعر السجون والمعتقلات ، فان الظاهرة اللائحة في هذا الأثر أن الامام كان علي أهبة الاستعداد المتكامل للاجابة الناجعة.
يقول الأستاذ محمدحسن آلياسين في هذا الشأن :
«لم يكن بامكان السائلين والمستفهمين الراغبين في معرفة حكم الشرع ورأي الدين ، أن يحضروا الي المدينة لملاقاة الامام وسماع ما يغنيهم به فيما يريدون معرفته والوقوف علي وجه الصواب فيه ، بل كان بين هؤلاء المؤمنين المنتشرين في أصقاع العالم الاسلامي من لا يجد وسيلة الا مكاتبة الامام (صفحه ٨٤) للسؤال منه عما يخص شؤون دينه أو هموم دنياه ومشاكلها المستجدة علي الدوام ، وكان الامام يتلقي تلك الكتب برحابة صدر ، ويقرأها بامعان ، ويحرر لهم أجوبة ذلك كتابة أيضا (١).
ويبدو من قراءة تلك المكاتبات والجوابات أن الامام لم يكن يكتفي في بعض الأحيان بمجرد الرد علي مورد السؤال وبيان الحكم الشرعي فيه ، وانما كان يتعدي هذا الجانب بعد الاجابة عليه الي التنبيه علي أمور أخري
__________________
(٢) ظ : علي سبيل المثال : الكليني / الكافي ٣ / ١٨ ـ ١٥٥ ـ ١٩٧ ـ ٣١٥ ـ ٣٢٦ ـ ٣٢٨ ـ ٣٣٠ ـ ٣٣٢ ـ ٣٤٠ ـ ٣٤٦ ـ ٣٨٠ ـ ٥١٠ ـ ٥٣٩ ... الخ ، المجلسي / بحارالأنوار : ٤٨ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، المفيد / الارشاد / ٣٣٠ ـ ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، المناقب ٣ / ٤٠٨ ، الفصول المهمة / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، كشف الغمة ٣ / ١٦ ـ ١٧ ـ ١٨ وسواها.