ولو قد استحضرت دار الكتب مخطوطات الأغاني لما خرج الكتاب ناقصا ولاستمتعنا بأخبار هؤلاء الطالبيين الذين لم يذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين.
* * *
وقد أتى أبو الفرج بروايات مدخولة ، وأحاديث موضوعة لم يعقب عليها ولكنه أمر نقده على بعضها ، كما فعل حين روى عن الضحاك قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب لمحمد بن جعفر بن أبي طالب فإنه قال في التعقيب عليها صفحة ٢٢ :
«وهذه رواية الضحاك بن عثمان ، وما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد ابن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر ، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل».
وكنت إذا ما رأيت أبا الفرج ينزع نزعة مسرحية نقلت من أقوال ثقاة المؤرخين ما يرجع الحق إلى نصابه ، ويرد التاريخ إلى محرابه ، كما صنعت في ترجمة عبد الله الأشتر صفحة ٣١٠ ـ ٣١٣.
* * *
وبعد فإن مقاتل الطالبيين كنز من كنوز الأدب والتاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف ومائتين من شهداء الطالبين ، فأحسن الترجمة وصوّر بطولتهم تصويرا أخاذا يختلب الألباب ، ويمتلك المشاعر وذكر فيه من خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ، ومحاوراتهم ، وما قيل فيهم وبسببهم من روائع الشعر والنثر ، ما لا تجده مجموعا في كتاب سواه ، إلّا أن يكون منقولا عنه ، أو ملخصا منه ، فهو خير كتاب أخرج للناس في تاريخ الطالبيين وأدبهم ، يجد فيه العلماء طلبتهم ، والأدباء ضالتهم ، ويجد فيه القاصون منهم مادة خصيبة لإنتاجهم الفني.
وهو من أنفس الكتب التي تغذو العقول والقلوب والأرواح جميعا.