فثنى نصرا عن رأيه (١) ، وفتر نيته ، فصار إلى محمد بن إبراهيم معتذرا إليه بما كان من خلاف الناس عليه ، ورغبتهم عن أهل البيت ، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم ، وأومأ إلى أن يحمل إليه مالا ويقويه بخمسة آلاف دينار ، فانصرف محمد عنه مغضبا ، وأنشأ يقول ، والشعر له :
سنغني بحمد الله عنك بعصبة |
|
يهشّون للدّاعي إلى واضح الحقّ |
طلبت لك الحسنى فقصرت دونها |
|
فأصبحت مذموما وزلت عن الصدق (٢) |
جروا فلهم سبق وصرت مقصّرا |
|
ذميما بما قصرت عن غاية السّبق |
وما كل شيء سابق أو مقصر |
|
يؤول به التقصير إلّا إلى العرق |
ثم مضى محمد بن إبراهيم راجعا إلى الحجاز ، فلقى في طريقه أبا السّرايا السري بن منصور أحد بني ربيعة (٣) بن ذهل بن شيبان ، وكان قد خالف السلطان ونابذه ، وعاث في نواحي السّواد ، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفا على نفسه ، ومعه غلمان له فيهم :
أبو الشوك (٤) ، وسيّار ، وأبو الهرماس ، غلمانه.
وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيّع ، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسر بذلك ، وقال له : انحدر إلى الفرات حتى أوافي على ظهر الكوفة (٥) ، وموعدك الكوفة.
ففعل ذلك ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتحسسها ، ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريد ، حتى اجتمع له بشر كثير ، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته ، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب ، فتلقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء عليها رث ، فسألها عما تصنع بذلك. فقالت : إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي ، ولي بنات لا يعدن على أنفسهن بشيء ، فأنا أتتبع هذا من الطريق وأتقوته أنا وولدي. فبكى بكاء شديدا ، وقال :
أنت والله وأشباهك تخرجوني غدا حتى يسفك دمي.
ونفذت بصيرته في الخروج ، وأقبل أبو السرايا لموعده على طريق البر حتى
__________________
(١) في ط وق «فقيل تصاغر عن رأيه».
(٢) في الخطية «مذموما وفاز «ذوي» الصدق».
(٣) في ط وق «السري بن منصور ، حدثني أبي ربيعة».
(٤) في ط وق «أبو السيول وبشار».
(٥) في الخطية «حتى أوافي على الظهر».