موضع ، وأمر بتفتيش كل دار يتهم صاحبها بالتشيع وطلب أحمد فيها ، فلم يزل ذلك [دأبه] حتى أمكنه التخلص ، فمضى إلى البصرة فأقام بها.
وقد اختلف أيضا في تخلصه كيف كان ، فلم نذكره كراهة الإطالة ، إلّا أن أقرب ذلك إلى الحق ما ذكره النوفلي من أن محمد بن إبراهيم كان له ابن منهوم بالصيد ، فدفع إليه أحمد بن عيسى ، وأقسم عليه أن يخرجه في جملة غلمانه متلثما متنكرا ، ولا يسأله عن شيء حتى يوافي به المدائن ، ويخرجه عنها إلى نحو فرسخ من خارجها ، وينتظر حتى يمرّ به زورق منحدر فيقعده فيه ويحدره إلى البصرة ، ففعل ذلك ، ونجا أحمد فمضى إلى البصرة.
* * *
رجع الحديث إلى حكاية هارون بن محمد :
قال :
ثم إن الرشيد دعا برجل من أصحابه يقال له : ابن الكردية ، واسمه يحيى بن خالد فقال له : قد وليتك الضياع بالكوفة ، فامض إليها وتول العمل بها ، وأظهر أنك تتشيع ، وفرّق الأموال في الشيعة حتى تقف على خبر أحمد بن عيسى.
فمضى ابن الكردية هذا ففعل ما أمر به ، وجعل يفيض الأموال في الشيعة ويفرقها عليهم ولا يسألهم عن شيء حتى ذكروا له رجلا منهم يقال له : أبو غسان الخزاعي ، فأطنبوا في وصفه ، وأعرض عنهم ولم يكشفهم عنه إلى أن [ذكروه مرة أخرى فقال : وما فعل هذا الرجل؟ إنا إليه لمشتاقون](١) ، قالوا : هو مع أحمد بن عيسى بالبصرة ، فكتب بذلك إلى الرشيد ، فأمره بالرجوع إلى بغداد ، ثم ولّاه البصرة مثل ما كان ولّاه بالكوفة ، فمضى إليها.
وكان [مع] أحمد بن عيسى بن زيد رجل من أصحاب يحيى بن عبد الله يقال له : حاضر ، وكان ينقله من موضع إلى موضع ، حتى أنزله في دار يقال لها : دار عاقب في العتيك ، وكان لا يظهره لأحد ، ويقول : إنما نزل في تلك الناحية هربا من دين عليه. قال : فحدثني يزيد بن عيينة أنه كان يخرج إليهم فيقول لهم : [عليّ دين] ويسألهم. قال : فيقولون له : لو طلبك السلطان لم يقدر عليك فكيف لمن له عليك دين.
__________________
(١) الزيادة من الخطية.