تحت العرش ، ولم يؤتها نبي كان قبلي ، قال علي : فما بتّ ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله إلا قرأتها ، الحديث (١).
ولعل السرّ في هذا الاهتمام بها هو أنها تتحدث عن التوحيد الخالص بالمستوى الذي يعيش فيه الإنسان حضور الله في وجدانه ، في كلّ ما يعنيه هذا الحضور من عظمة وسيطرة وإحاطة حقيقية بالأشياء كلها ، ورعاية لكل شؤونها الخاصة والعامة ، وتفرّد بالقدرة على كل شيء ، فلا شيء هناك غير الله ، لأن كل المخلوقات ظل لوجوده ، ولا قيمة لأيّ علم أمام علم الله ، ولا سلطة غير سلطته ، وأن الخط الذي يرسمه للناس هو الخط الواضح المستقيم الذي لا التباس فيه ولا شك ولا ظلمة ، وأنه ـ هو ـ الذي يفتح للمؤمنين أبواب النور في المعرفة والحياة ، من خلال الإيمان الواعي المنفتح ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، بينما يقف الكافرون أمام الطاغوت الذي يرتبطون به ويعبدونه ويتبعونه من دون الله ، ليخرجهم من النور ، الذي يقتحم عليهم وعيهم ووجدانهم ، إلى الظلمات التي يحملها الكفر إلى داخل حياتهم ، فيحوّل النور في حياتهم إلى ظلمة بما يخلقه من حواجز تحجزهم عن الله. وهذا ما توحي به الآية التالية بعدها التي تمثل الامتداد المعنوي لها.
وبذلك كانت قيمة هذه الآية أنّها تركز في أعماق الإنسان المؤمن التوحيد الخالص بأسمى خصائصه وعناصره ، وتوحي له بأن الخط الفاصل بين منهج الله ومنهج الطاغوت هو الخط الفاصل بين النور والظلمة .. وهذا ما نريد أن نستوضحه من خلال مفردات الآية.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٣٤٢.